• Friday, 17 May 2024
logo

جيبوتي المنتصرة والعراق الخاسر!!

جيبوتي المنتصرة والعراق الخاسر!!
عمران العبيدي
_الفيحاء


معرفة النفس افضل انواع المعرفة، فمنها تبدأ الخطوة الاولى لنقد الذات ، ونقد الذات هو المنعطف الذي على اساسه يجري التقويم بعد اجراء جردة الحساب والتقييمات الصحيحة اذا كانت هنالك رغبة في التصحيح ، وكل ذلك يجري بطبيعة الحال من اجل تسجيل الحضور في مكان او مجال ما، والحضور هنا ليس الحضور بجزئيته المادية فقط بل الحضور الفاعل الذي يمكن له ان يؤثر ليحدث التغييرات في اية لحظة، ولفعل ذلك لابد من امتلاك الادوات .في منطق التعامل الدولي هنالك آليات لابد من صناعتها لتسجيل ذلك الحضور وتسعى الدول لذلك من اجل ان ترتفع قيمتها الدولية او الاقليمية أن احسنت التصرف باستخدام تلك الادوات، لذلك ليس عجبا ان تصبح دولة صغيرة مثل (قطر) مؤثرة وحاضرة بناء على قدرتها على العطاء المادي الذي يمكن ان يسيل له لعاب الاخرين ، وكذلك الكويت والامارات وغيرها من الدول الصغيرة التي لم تكن لغاية السبعينيات شيئاً يذكرعلى مستوى التأثير الدولي والاقليمي ، انها القدرة على استخدام ادوات التأثير ، وحتى ذلك التأثير لبعض الدول لم يتأت سراعا بل انه تم بعد ان استكملت تلك الدول بناءها الداخلي فتحول نظرها الى ابعد من الحدود من اجل الولوج الى اروقة السياسة العالمية لتبدأ بوضع لمساتها هنا او هناك ويصبح لها صوت مسموع اقليميا وقاريا وعالميا فيما بعد.العراق الان ليس بالدولة المؤثرة في المنطقة حتى بعد تمتعه بديمقراطية تفتقد لها اغلب دول المنطقة ، لأن منطق التأثير الدولي لايتعلق بالديمقراطية والياتها فقط ، والتأثير الذي نقصده هنا ليس التأثر الاقليمي بنا وامكانية انتقاله كعدوى الى دول المنطقة ، بل المقصود هو التأثير في المحافل الدولية ، لذلك علينا الاقرار ببقاء العراق في دائرة عدم التأثير بالشكل الذي يتناسب مع امكانياته، وهذه حقيقة يجب ان لانغفل عنها والا لوكان الامر عكس ذلك لما تمكنت بعض الدول صغيرها وكبيرها من ان تنهش بجسده دون القدرة على ردعها حتى في الطرق الدبلوماسية ، والاسباب كثيرة ولامجال لسردها ، واولها السياسات الطائشة للنظام الصدامي التي جعلت من العراق عضوا ممقوتا في المنطقة تصعب بعدها المحاولات لاعادته للوضع الصحيح الذي يجب ان يكون عليه بالقياس لامكاناته المادية والبشرية ، والتحول الذي حصل بعد 2003 لم يكن كافيا لاعادة العراق الى المنظومة الاقليمية او الدولية ، والتطمينات التي كان الساسة الجدد يطلقونها لم تحدث ما هو مطلوب وأن تم الاستماع اليها في بعض الاحيان من اجل الاستهلاك السياسي من قبل دول الجوار، ولكن المحيط الاقليمي ظل يحتفظ بصورة ماقبل 2003 بل ان البعض لايريد ان يغادر ذلك ويسعى في بعض الاحيان الى الثأر او الانتقام وأن صرح بعكس ذلك وادعى الاستماع اوالقبول بعراق مابعد الصدامية، وحاول بعض( الاخوة) في المنظومة الاقليمية تقويض التحولات الجديدة فكان العراق هدفا لقوى الارهاب الذي انتج في مصانع خارجية من اجل ان يبقى مشلولا . من الناحية السياسية لم يستطع العراق مابعد التغيير من الوصول الى درجة المعافاة ، فكان سببا لبقاء العراق في عزلة اصطنعها البعض وعمل عليها ليتأخر دخوله الى المنظومة الاقليمية كما هو مطلوب ومتوقع .السياسيون العراقيون يستعجلون الدخول في المنظومة الدولية دون السعي الى ترتيب البيت الداخلي ، فدولة مثل العراق يتجول الارهاب في اهم مفاصلها ومن منظومة الدول التي تتصدر الفساد والتي تعاني ترديا في البنى التحتية، كيف يمكن ان تنظم حضورها المؤثرفي المنظومة الدولية والاقليمية ، أضف الى ذلك فأننا نفتقد غواية المادة التي يمكن لها ان تصنع التأثير وهو احد اهم العوامل المؤثرة التي يمكن ان تنسج العلاقات الدولية .ليس المطلوب منا الاستعجال قبل اكمال بيتنا الداخلي سياسيا واقتصاديا ومؤسساتيا وعمرانيا ،فالنظام السابق جعل من العراق منطقة خربة بمعناها الواسع زادها خراباً الارهاب والفساد والعلاقات السياسية المتوترة بين الاطراف الداخلية التي استطاع بعضها ولاسباب التنافس الحزبي نقل صورة مشوشة عن العراق، كل ذلك لايجعل العراق دولة مؤثرة وهو بحاجة الى الكثير داخليا قبل الخروج الى المحيط الاقليمي.كثيرون هم الذين لايعرفون موقع جيبوتي على الخارطة ،تلك الدولة الافريقية الفقيرة لكنها استطاعت ان تختطف من العراق تنظيم اجتماع وزراء خارجية دول التعاون الاسلامي ومن قبلها فشل العراق في الحصول على اصوات غالبية العرب والمسلمين لمرشحه لادارة منظمة الغذاء الدولية،ولهذا اسباب كثيرة يجب مراجعاتها واولها ان نعرف انفسنا اولا ونلتقط صورة فوتوغراية الى العراق نستطيع من خلالها رؤية المشهد بشكل حقيقي ، فالعراق امنيا ومهما حاولنا اقناع الاخرين بالقدوم فأنه لايعدو لهم سوى مجموعة من التقارير التي تبث والتي تعكس في مضمونها عمليات ارهابية تجوب شوارع وازقة ومؤسسات العراق ، وبعض منها بفعل سياسي قادر على التجول بالقرب من مؤسسات الدولة الحساسة( تفجير مجلس النواب انموذجا) وغيرها الكثير ، وبغداد بالنسبة للاخرين ليست سوى عاصمة تغلق طرقها وتتقطع اوصالها عند دخول اي ضيف اليها وليست سوى مدينة محمية بقطع الكونكريت ، وبالتالي ليس من المنطق ان نستعجل في طلب استضافة اجتماع وزراء خارجية دول التعاون الاسلامي والذي اختطفته جيبوتي من العراق ولتسجل انتصارا وليخسر العراق احدى المعارك في المضمار الاقليمي .يقول وزير الخارجية العراقي ( في اخر لحظة فوجئنا بأن جيبوتي ومن يقف وراءها تطلب استضافة الاجتماع وبعد عرض المسألة على التصويت حصلت جيبوتي على الاصوات التي تؤهلها لعقد الاجتماع فيها) ، ولو انتبهنا الى التصريح نجد ان بين طياته فحوى ان جهات تقف وراء حرمان العراق من تلك الاستضافة، وهذا يعني اننا مازلنا نعاني خللا واضحا في منظومة علاقاتنا مع الاخرين وهي بحاجة الى معالجة ، او بتبسيط اخر ان هنالك من لايزال ولايريد لنا ان نغادر مستوى حضورنا الدولي الحالي الى مستوى افضل .لانعتقد ان على العراق الاستعجال في طلب استضافة المؤتمرات الاقليمية والدولية فالعراق الديمقراطي الجديد الذي نراه ونتباهى به قياسا للانظمة الدكتاتورية ليس بالضرورة او لانتصور انه مقبول لدى الاخرين ، او لايذهب بنا التصور انه المقياس الذي يمكن ان نتفوق به على الاخرين والذي يمكن ان يشكل نقطة الجذب وهذا يجب ادراكه،والعراق بحاجة الى اصلاحات كثيرة امنيا وسياسيا واقتصاديا وترميم علاقاته الداخلية قبل الخارجية والاهتمام بالاحتياجات الضرورية ومن بعدها يمكن الانطلاق بالاتجاه الاخر.عشائريا يقال ان الذي يراد له ان يصبح شيخا على ( ربعه) فعليه اما (بالماعون او السيف) ، وهما رمزان ،الاول يعني الحضور بقوته (المادية الاقتصادية) وامكانات الانفاق والغواية بها ايضا، والثانية تعني القوة بمعناها المعروف التي يمكن ان تعطي الهيبة ،والعراق لايملك اي منهما في الوقت الحاضر،وما يقال عن قوته المادية الاقتصادية هو صحيح ولكن ذلك لايمكن استخدامه خارج سياق منفعة المواطنين فهم بأمس الحاجة اليها واحق بها ولايمكن المجازفة بأنفاقها خارج ذلك ، لذا لانستغرب فوز جيبوتي بتلك الاستضافة خسارتنا!!
Top