• Friday, 17 May 2024
logo

حصة العراق وعراق المحاصصة، الوزرات الأمنية إنموذجاً

حصة العراق وعراق المحاصصة، الوزرات الأمنية إنموذجاً
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى
_pukmedia


يكاد يلمس الشعب العراقي إجماعا من الكتل السياسية العراقية على إستقلالية الوزارات الأمنية في الخطاب الإعلامي اليومي، كون المؤسسة الأمنية والعسكرية هي المعني الأول في حماية التجربة الديمقراطية وتحقيق الأجواء المناسبة لأي نجاح سياسي منجز أو محتمل، فضلا عما هو ملقى على عاتقها أصلا من مهام داخلية وخارجية أخرى. ألا أن الواقع العملي والمطالب السياسية لمعظم هذه الكتل تتنافى أصلا مع ماتحاول تسويقه الى الشعب فيما يتعلّق بإستقلالية المؤسستين في العراق.
يرى الكثيرون بوجود ضرورة قصوى لإعتماد التوافق السياسي في المرحلة السابقة لتخطي الأزمات التي مرّت وتمر بها العملية السياسية في العراق، وقد لايكون مثل هذا الرأي مجاف للحقيقة بالكامل، فرغم الشلل الذي أصاب بناء الدولة نتيجة لهذا التوجه ألا أن المحاصصة إستطاعت أن تفي ببعض أغراضها المرحلية فيما سبق، وقد فقدت صلاحيتها اليوم وبشكل كامل عند تناول قضية وطنية مهمة كمسألة إشغال الوزارات الأمنية. ونكاد لانختلف مع أشد الأطراف تأييدا للتوافق السياسي والمحاصصة، حينما ندّعي بأن هذا النظام وإن إمتلك فاعلية مرحلية لتحريك بعض الملفات وتغذية بعض المواقع الحكومية، ألا أنه لم ينجم عنه أية إيجابية تُذكر فيما يخص المؤسستين الأمنية والعسكرية، فقد كان ولازال عبئاً عانت منه هذه المؤسسات، مما جعلها عرضة للإختراق وسوء التنظيم وغياب الحس الوطني في أروقتها، ورغم إدراك جميع القوى السياسية العراقية لذلك ألا أن معظمها لازالت تؤمن بسريان نظام التوافق على الأجهزة الأمنية، رغم أن هذه الأطراف ما فتأت مستمرة في التأكيد على إستقلالية المرشحين لإدارة مؤسستي الداخلية والدفاع.
ربما وإلى الآن لم يتم الإتفاق على معيار قانوني لتحديد إستقلالية المرشّح لهذه الوزرات، عدا العرف السياسي السائد الذي يحصر الإستقلالية في عدم إنتماء المرشّح الى أحد الكتل السياسية الرئيسية، في الوقت الذي يمكن إعتماد المفوضية العليا للإنتخابات كطرف أساسي في تحديد الإستقلالية من خلال إعتماد سجلات القوائم الإنتخابية للإنتخابات البرلمانية الأخيرة 2010 ليصبح هذا المعيار عاملا مساعدا للعرف السياسي السائد في تحديد إستقلالية المرشّح. ومع حال كهذا يصبح من غير اللائق للكتل التي ترفع شعار الإستقلالية أن يكون مرشّحها هو أحد رؤساء الكيانات السياسية المسجّلة في مفوضية الإنتخابات للعام 2010، ولم يدخل الإنتخابات كمستقل مع كتلة سياسية معروفة، أو فردا في كيان مستقل. وكما هو الحال مع ترشيح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أو غيره من رؤساء الكيانات لوزارة يراد لها أن تبنى على أسس وطنية بعيدا عن الطائفية والإنحياز لهذه الجهة أو تلك كوزارة الدفاع.
أن الوزارات الأمنية (الداخلية والدفاع) ليست غنيمة لتحضى بها كتلة دون أخرى وفقا للتوافق السياسي والمحاصصة العرقية والطائفية، بل هي حصة العراق، ويأمل العراقيون من السيد المالكي ممارسة صلاحياته في الحفاظ على إستقلالية هاتين المؤسستين من خلال إناطة مسؤلياتهما الى المستقليين حصرا، فلم تعد الخشية محصورة في الإختراق الطائفي وآثاره على الأداء الوظيفي للمؤسستين، بل هناك ماهو أخطر فالتصدّع الحاصل في الكتل المطالبة بإشغال هذه الوزارة الأمنية أو تلك قد يمتد الى داخل هاتين الوزارتين لتصبح مرتعا للمهاترات والإشكالات السياسية بين قوائم الكتلة الواحدة، وبين الكتلة نفسها مع الكتل الأخرى.
لاشك أن السيد المالكي ملزم اليوم أمام الشعب العراقي في عدم التفريط بحصة العراق المؤتمن عليها من قبل الشعب العراقي فإن كل مادون هذه الوزارات يتعلق بها وبشكل أساسي، فالأمن هو أساس بناء الدولة العراقية ولايمكن تسليم دفة القيادة في هاتين الوزارتين لرجال ذو تاريخ حافل بالطائفية، أو آخرين دخلوا الإنتخابات الأخيرة 2010 ليسوا مستقلين. فالمحاصصة تنتهي فعاليتها على أعتاب الوزرات الأمنية، ومن أعتابها الى كرسي الوزارة تبدأ قرارات الأغلبية السياسية في الإختيار، لنغادر معا .. وبهكذا قرار جرِيء من سيادة رئيس مجلس الوزراء، أولى محطات المحاصصة بإتجاه حصة العراق.
Top