• Saturday, 18 May 2024
logo

الغرق... في ميناء مبارك

الغرق... في ميناء مبارك
Pukmedia
_ساطع راجي

فقهاء القانون الدولي وحدهم من لهم الحق في حسم موضوع قدرة العراق على منع الكويت من بناء ميناء مبارك رغم ما يبدو انه اجماع فني وسياسي على ان هذا الميناء يضر بمصالح العراق ويعطل ثغره الصغير المطل على الخليج وينسف مشروع ميناء الفاو الذي بقي لسنوات مجرد عبارة اعلامية ومشروع احتفالي يقال عنه الكثير دون علامة صغيرة على اية نية لإنجازه.

عندما تضع دولة ما مشروعا عملاقا عليها ان تتحسب دائما للمتضررين منه ألف حساب ومن بين تلك الحسابات الضرورية الاسراع بتنفيذ المشروع قبل ان تتخذ الدول الاخرى التي قد تكون متضررة، خطوات تعطل تنفيذ المشروع او تنفيذ مشروع مضاد، ولأن تنفيذ اي مشروع في العراق لا يسير بأسرع من سلحفاة ثقيلة ومسنة ولا يتحرك الا بمقدار ما يحقق من ارباح لحلقات الفساد، فإن مشروع الفاو لم يتحرك نحو التنفيذ بينما اتخذت الكويت خطوات عملية على الارض لبناء ميناء مبارك.

وكالعادة، انقسم الموقف العراقي، الساسة استيقظوا في اللحظة الاخيرة من سكرة الجدل اليومي الحامي على كل شيء وعلى لا شيء أيضا ليتحولوا الى فرسان لا يشق لهم غبار في ميدان التصريحات التصعيدية التي يعرفون هم انفسهم قبل غيرهم انهم غير قادرين على تنفيذ ما فيها من تهديد ووعيد، وهناك ايضا الموقف الفني غير الواضح، فلجان تذهب وتأتي تتنقل بين الكويت وبغداد وتقول في كل من العاصمتين كلاما مختلفا، مرة يهدئ ومرة اخرى يصعد، وهو ما يدفع الى التساؤل عن التأثير السياسي على هذه اللجان ام ان الاراء التي يتم الادلاء بها من قبل الفنيين تأتي في سياق المجاملات، فوسائل الاعلام الكويتية نقلت عن اللجان الفنية كلاما يدعو الى التهدئة لكن اعضاء مجلس النواب العراقي ينقلون عن الجهات الفنية المسؤولة عن ادارة الازمة كلاما لا يبشر بخير.

قفز اخيرا الى موضوع ميناء مبارك عدد كبير من المسؤولين والساسة العراقيين ويبدو انهم يريدون التعويض بتصريحات تصعيدية عن الغفلة الطويلة عما يجري في جوار العراق وعن الغفلة عن تنفيذ اي مشروع ستراتيجي في البلاد منذ عدة سنوات ولا حتى السير بخطوات أولية في اي مشروع كبير، وربما هناك من يريد بتصريحاته التصعيدية تغيير مسار اهتمام المواطنين وابعاده عن الاستحقاقات الداخلية والفشل في الاداء الخدمي والاقتصادي والتدهور الامني وتأزم العلاقة بين الفرقاء السياسيين العراقيين واستمرار نقص التشكيلة الحكومية في اهم مفاصلها (الوزراء الامنيين)، والخشية ان يغرق هؤلاء الساسة في قضية ميناء مبارك ساحبين معهم البلاد فالدول الاخرى تتعامل مع التصريحات على انها وقائع سياسية وليست مجرد ممارسات دعائية واعلامية خاصة عندما تصدر التصريحات عن مسؤولين بارزين في الدولة وكتل برلمانية كبيرة وهي تصريحات لن تبقى بدون ردود افعال من الكويت ومن غيرها او على الاقل لن تبقى بدون استخدام يكلف العراق مزيدا من الخسائر ونكتفي هنا بالاشارة التي تم تداولها عن تحذير امريكي من قصف مليشيات عراقية للكويت وتحديدا لميناء مبارك.

ليس من مصلحة الكويت ترسيخ مشاعر اراد صدام يوما ما زرعها في نفوس العراقيين تجاه الدولة الجارة وفشل، وليس من مصلحة الكويت ان يعاني شعب مثل الشعب العراقي من ازمات اقتصادية وسياسية تكون هي طرفا فيها، بل ليس من مصلحة الكويت ولا من مصلحة دول الخليج بعامة ان يعاني بلد بحجم العراق، مساحة وسكانا وجغرافيا وتركيبة متنوعة، من الفقر او عدم الاستقرار السياسي حيث ستكون دول الخليج هي اول المتضررين وفي اليمن خير دليل على ذلك، أم ان دول الخليج تريد ان تكون محاطة ببؤر ملتهبة من الشمال (العراق) والجنوب (اليمن) فضلا عن الشرق ( ايران في ازمتها المزمنة مع الولايات المتحدة) والغرب (مصر التي ستحتاج لسنوات قبل ان تستقر)؟.
Top