• Friday, 17 May 2024
logo

من أين لكم هذا؟

من أين لكم هذا؟
كفاح محمود كريم
_ايلاف


لطالما سمعنا هذا السؤال الشعار في أدبيات كثير من الحركات والأحزاب الثورية في مرحلتها النضالية قبل أن تنجح وتستلم السلطة او الإدارة مباشرة او بالشراكة، وتتحول من شرعيتها المدعمة بالسلاح والطوارئ الى الشرعية الدستورية، وينتقل افرادها وقياداتها من مقاتلين ومسؤولي مفارز ومجموعات تنظيمية او مسلحة الى أعضاء في الإدارات او حكام لنظام سياسي بمسميات أخرى كالوزير والمحافظ والمدير العام، بل وينتقل الكثير منهم من مبشرين بالعدالة الاجتماعية والنزاهة وإقامة دولة القانون والمساواة الى أباطرة المال والفساد والإفساد ومن هنا يولد هذا السؤال المر؟.

وقبل أن نخوض في متن موضوعنا هذا دعوني أتذكر رواية رواها لنا إمام الجامع في وعظ ذات يوم من الأيام وهو يتحدث عن الأغنياء بالسحت الحرام والمال المشبوه، وضرب لذلك مثالا عن إعرابي يمتلك عشر شياه وافترض انه مؤمن ملتزم بالصدقة والزكاة ويتوخى الحلال ويتقي الحرام والشبهات، وتساءل إمامنا الواعظ قائلا:
كيف يصبح هذا الشخص بعد ثلاث سنوات او أكثر بقليل غنيا بمئات النعاج وما يلحقهم من بيوت وعلف ومنتجات؟

لا أريد حقيقة؛ أن نخوض في أعماق بركة ربما تكون أعماقها أكثر عفونة، بقدر ما أريد أن اسأل عن ظاهرة استشرت بشكل كبير ودون خجل او حياء او حتى شعور بأن هذا التضخم في السحت الحرام والأموال السامة لم يعد حالة غير طبيعية، بل والانكى من ذلك ان هؤلاء الذين سرطنتهم هذه الاموال القذرة اصبحوا اكثر تأثيرا في مفاصل الدولة والمجتمع وبدأوا يؤسسون مستوطناتهم الطفيلية في كل أنحاء البلاد!؟

ربما هو سؤال يردده الكثير صباحا ومساءً:

من أين لكم هذا؟
وانتم موظفون براتب معلوم ومخصصات معروفة لا ترتقي في النزاهة والأيدي البيضاء الى ما وصلتم اليه خلال سنوات قليلة من أملاك وأموال وامتيازات؟
كيف لموظف او مسؤول ما براتب او اجر محدود ان يتحول خلال سنوات قليلة الى ديناصور مالي وعقاري وتجاري، وهو يفترض ان يكون امينا ونزيها وكفوأً كبداية أولية لتسنمه تلك المهمة او الوظيفة!؟

وكيف ولماذا تشترى بعض المناصب والوظائف بمبالغ عالية جدا رغم ان مرتباتها واطئة جدا وهي معروفة لدى دلالي الوظائف العامة؟

وربما لو استرسلنا في تساؤلاتنا سندرك بحرا من الظلمات الفاسدة التي أخرت وتؤخر مشروعنا الحضاري وبناء عراق جديد وفق أسس أخلاقية واجتماعية وقيمية وضوابط واليات لمراقبة المال العام والحفظ عليه بكل اشكاله وأنواعه ومستوياته.

يقولون ان الدول المتقدمة اخلاقيا قد وضعت آليات وضوابط وشروط محددة للإجابة على هكذا سؤال ( من أي لك هذا؟ ) حيث يتم جرد وتحديد ممتلكات الموظف وإيراداته المالية بكل صدق وأمانة ومن ثم تثبيتها قبل تسنمه أي وظيفة عامة، لكي تتم المقارنة مع تلك المعلومات بعد انتهاء مهمته او وظيفته!؟

ولا ندري إن كانت الأخبار التي سمعناها عن كشف ممتلكات وإيرادات مسؤولينا وتثبيتها بدقة، صحيحة أم انها هي الأخرى دعايات مغرضة ضد عراقنا الجديد!؟
Top