• Friday, 17 May 2024
logo

سياسة الثقافة في إقليم كوردستان

سياسة الثقافة في إقليم كوردستان
د. سامان سوراني
_pukmedia


من المعلوم بأن ذهن الفرد ليس ملك صاحبه وإنما هو ملك الثقافة التي صاغته، فالإنسان ككائن ثقافي بامتياز هو صانع الثقافة بقدر ما هو مصنوع بها. والعقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل وهي قالب العواطف وموجه السلوك.

وقبل الحديث عن سياسة الثقافة لابد من ذکر بديهية: أن لشعب كوردستان الحق في أن تكون له السيادة على نفسه و بناء دولته المبنية علی المساواة بسيادة نظام الحكم الديمقراطي الضامن لحقوق الإنسان واستقلاليته في الشؤون العالمية. ومن المعلوم بأن أنظمة الحكم الديمقراطي، التي تحتفظ في وعيها بأنها منبثقة من الشعب، الذي هو دائما مصدر مشروعيتها، تعمل دائما على احترام شعبها وعلى عدم حرمانه من حقوقه التي هو أهل لها.

الديمقراطية لا تعني الفوضى والاستهتار بأمن المجتمع وبدور الدولة ومؤسساتها وبحكم القانون، بل هي تعني توفير المساواة والحقوق والحريات وحفظ الاستقرار والنظام وسيادة القانون و تعزيز استخدام التكنلوجيا وإجراءات التنمية. ففي حالة تمكين الدولة الديمقراطية ودعم مؤسساتها العمومية تستطيع الدولة الديمقراطية تحصين المجتمع من مظاهر التفكك والتنافر والصراعات التي قد ترافق انبعاث الحريات والتعددية والخصوصيات و تکون مؤسساتها قادرة علی إدارة الخلافات سلمياً لحفز روح التفاهم والتوافق والتعاضد بين مختلف الأطراف. لأن ما بني على افتراض صحيح سيؤدي الی نتيجة صحيحة. يجب على الحكومة القائمة أن تضمن بشكل فعّال المحافظة على النّظام الديمقراطي يدعمها في ذلك المجتمع المدنيّ والفاعلون السّياسيون الآخرون وقوات الأمن في الآن نفسه.

سابقاً وفي ظل الأنظمة القمعية، التي کانت تحکم العراق وبالأخص في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، لم تكن الثقافة قادرة على أن تنتعش في مناخه الموبوء. حيث کانت السياسةُ دائماً في مُواجهة السياسي، وعملت على امتصاص مبادرة المثقف، وتَرْوِيضِها وفق برامج وأولويات النظام الإستبدادي و أجَنْدَتَها، وکان المثقف منخرطا بالسياسة و يعيش في غيبوبتها وکان الاهتمام بالشأن الثقافيِّ أضعف حلقة، حيث تم توظيف الثقافي لخدمة السياسة وكمحصلة لذلك كان المثقف ضعيف في أدائه الثقافي، لا يُفَكِّر بآلياتِه، وينظر الی المسؤولية دون أفق أو برنامج، بالرغم من أنَّ لكل مثقف مُنْشَغِل بالشأن الثقافي تصوُّرات أو مُقترَحات حول الشأن العام.

أما اليوم وبعد القيام بترسيخ جذور الديمقراطية في كوردستان صارت الأمور تعود بخطوات ولو بطيئة إلى مجراها الطبيعي وأصبح المثقف يَسْتَعِيد لِسِانُه الذي كان سُرِقَ منه، وأصبح أکثر إنتقادا لرجال السياسة في بلده و تجاه ما يعتبره فيهم تعطشا للسلطة وتجاه عدم کفاءتهم وذلك بإستخدامه‌ منهجية الشك العقلي من اجل بلوغ اليقين التجريبي. وهكذا ظهر فئة من المثقفين يَتَكَلَّمون بنفسهم و بإسمهم دون وساطة أحدٍ و لا یتحدثون بلغة إيديولوجية نضالية هي لغة الدعاة من لاهوتيين و کهنة و مثقفين، الذين يشتغلون بحراسة الأصول والعقائد أو الدفاع عن الهويات والثوابت. لکن علينا أن لا ننسی دور السياسة و هيمنتها في تاريخنا الحاضر، إذ ان الثقافة تأتي وللأسف لحد الآن بعد السياسة و تبقى خطاباً في طَيَّات غَيره، لا يد لَهُ ولا وجه. هذا ما يجعل من الثقافة أن تتلاشى في مقابل السياسة.

إذن علی الثقافة بعلاقتها النقدية بذاتها ممارسة حيويتها و تفوقها عبر قدرتها الخارقة علی نزع جلدها وتغيير ذاتها بإستمرار، فبها تتمکن من توليد الجديد والمبتكر والأصيل والخصب من الصيغ والنماذج والقوانين والتشريعات. ففي ضَوْءِ ما تجري من انقلابات في الأفكار، وفي المفاهيـم المُوَجِّهَة لها، عليه أن يكـون المثقف شَريكاً فـي إنتـاج المفاهيـم و التَّصَوُّرات و لتدبير، و في تسيير الشأن العام.

الثقافة هي نمط وجود تتجذر في اللاوعي و تستقر في قعر الذاکرة و تغدو هوية يأتلف المرء معها و يعتاد عليها و يشعر بالنقص والفراغ والوحشة والخواء إذا ما إفتقدها. والثقافة تتجلی في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات أو في التصرفات والممارسات والمثقف في عصر الوسائط وسيط بين الناس يسهم في خلق وسط فكري أو عالم مفهومي أو مناخ تواصلي، وليس من مهامه أن يقوم باللعن والترجيم أو التسبيح والتعظيم، بل إعادة التفکير في نظام الفكر وقيمه و نتاجاته، بغية تركيب ثقافة المجتمع الکوردستاني من جديد، فبعد ظاهرة العولمة لن تعود الأشياء کما کانت عليه. يقول إدوارد إيريو (رجل دولة فرنسي بارز ، 1872 – 1957) أن "الثقافة هي الشيء الذي يبقى في الإنسان عندما ينسى كل ما هو سواه."

وختاما: علينا قراءة الحدث للمساهمة في عملية الخلق من أجل توسيع آفاق الوجود و إثراء إمكانات الحياة.
Top