• Friday, 17 May 2024
logo

وجه السياسي وعباراته

وجه السياسي وعباراته
عبد المنعم الاعسم
_جريدة الاتحاد


عندما يملأ وجه السياسي عرض الشاشة الملونة، وهو يتحدث الى الجمهور، تتوفر للمشاهد فرصة نادرة، ربما بلمح البصر، لقراءة صدقية الكلمات والنيات من خلال الغور في ملامح الوجه في تلك اللحظة.. انه أمر لايختلف كثيرا عن التمثيل المسرحي إلا في ما تذهب اليه نظرية بريشت في التغريب بمنع الممثل من الاندماج بدوره وحرصه على ان يكون خطيبا او واعظا من وراء الستار او القناع، من غير مشاعر.
السياسي يحرص على كسب الجمهور وحمله على ان يقتنع برسالته او مواقفه او تاويله للاحداث، وتقوم ملامح وجهه بوظيفة موازية للعبارات التي يطلقها. وعندما نتحدث عن الجمهور فاننا نعني بالوسط الشعبي العريض غير الموالي (وربما المعادي) وهو هدف الخطاب المتلفز، فان الموالين والمتحزبين، إذ تهمهم الافكار التي ترسخ ولاءهم والتزامهم لايرون غضاضة في برودة ملامح الخطيب وتناقض تعبيرات وجهه مع سياق العبارات، وهو امر تعرفه الدراسات السايكولوجية لفن الدعاية والتعبئة.
في كتابهما عن “الحياة السرية لرؤساء امريكا” لاحظ كورماك اوبراين ومونيكا سوتيسكي ان الرؤساء المتاخرين بدأوا يمثلون ادوار الفضيلة ويقدمونها عبر ملامح وجه غير متقنة التعبير تماما الامر الذي عالجته “العمليات الدعائية” في سلسلة من الخدمات الصورية لردم “الفجاجة” و”خيبة امل الجمهور” وفي ثنايا هذا الكتاب وكتب عديدة عن فن الاقناع سنتعرف الى ان السياسي في خطبه او تصريحاته المتلفزة ليس معلقا سياسيا على الاحداث، وان كلماته وتعبيرات وجهه عندما يكون في موقع المسؤولية والتاثير ينبغي ان تتخذ مسارا اكثر انضباطا وتضافرا بالمقارنة مع مرحلة الدعاية الانتخابية، وان يراعي فراسة المشاهد وحساسيته وموهبته في الكشف عن محاولات الخداع والتضليل والتمثيل.
هل تتذكرون وجه صدام حسين حين بكى وهو يستمع الى اعترافات ملفقة عن “خيانة” ما يزيد على اربعين من قيادات واعضاء حزبه شعورا منه (او هكذا هي الرسالة) بخيبة الامل حيال هؤلاء؟ ثم بعد ذلك ، هل تتذكرون ملامح وجهه كيف انقلبت حين قال “خذوهم” ليصطفوا مكبلين الى الوراء وليتولى رفاقهم واقاربهم إطلاق الرصاص على رؤوسهم واحدا بعد آخر؟.
السياسي بعد ذلك ليس مغنيا. كان فريد الاطرش يغني “الحياه حلوة” وهو يبكي، وكان الجمهور يقبل منه هذه المخادعة، وربما يحتاجها. السياسي لايستطيع ان يخفي تناقضات الكلام والملامح دائما طيّ لسان كاذب، وفي القرآن الكريم “ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب” ومصداقية السياسي تسقط في اعين الجمهور في اللحظة التي يكتشف فيها ان لسانه يقول ما لاتقوله ملامح وجهه.
يقول الدكتور “جلين ويلسون” من معهد طب النفس في لندن: “إن الإشارات غير الكلامية، التي تعرف بالتسريب، تفضح أمر المخاتل عادة. وعلى سبيل المثال عندما يكذب المرء فهو لاينظر في عينيك مباشرة خشية أن ترى ما وراءهما”.
وكلام مفيد
“اضعف الناس من ضعف عند كتمان سرّه”
مثل اسباني
Top