الشاعر أدونيس صامتاً؟
_صوت كوردستان
لقد کتبت "منی نجار" في أحدی الصحف الألمانیة مقالاً تنتقد فیه صمت أدونیس أمام الأحداث التي مرت علی البلدان العربیة، لأن الشاعر في نظرها لم یدلو بدلوه في شؤون وشجون الثقافة على طريقة الثوار الاعتراضية ولم یواکب الموج الغاضب في کل من تونس و مصر و لیبیا والیمن وسوریا. ففي مقالها تکتب منی نجار بأن أدونیس "قد نقل منجزات الحداثة الأوروبية الی الحلقات الثقافیة العربية وکان من المتمردین المتحمسین ضد الجمود الثقافي، هذه هي بعض الأسباب التي ساهمت في اقناع هيئة المحلفين لجائزة غوته لاختيار أدونيس کفائز لهذا العام. لو حدث هذا الاختیار في الستینیات والسبعینیات من القرن الماضي لقلنا بأن اختیارهم کان في مکانه، لأن أدونیس کان في تلك الفترة في نظر الکثیر من الأدباء الشباب متمرداً"، لکنه الآن، حسب رأیها، بات صاماً.
المتابع لأدونیس یعرف بأن معظم كتابات هذا الشاعر في الأعوام الأخيرة لا يخلو من النقد والحوارات الساخنة. ففي حديث أدلى به الشاعر لقناة العربية جاء صوته مفصحا عن موقفه تجاه مايحدث في المنطقة العربية، فقد وصف التظاهرات الأخیرة في البلدان العربیة بـ"التمرد الشبابي الذي لا نموذج له لا في الغرب ولا الشرق ووصف حضور المرأة في تونس ومصر بظاهرة مهمة جدا و جديدة في الحياة العربية"، معتبراً "کل ایدیولوجیة نفي للدیمقراطية"، رافضاً القبول بالانضمام الی تظاهرة سياسية تخرج من الجامع و هو یرید الخروج من السياق التقليدي القديم من أجل إحداث القطيعة.
ففي مساء ربيعي وسط مدينة أربيل، عاصمة إقليم کوردستان، التقیت بالشاعر أدونیس، عندما کان لأیام معدودة ضیفاً علی کوردستان. ففي خلال زیارته التقی هذا الزائر الفاضل بنخب ثقافية كوردية من الأدباء والكتاب وطلبة الجامعات وقدم العدید من المحاضرات الأدبیة القیمة. وخرج منها بانطباعات ايجابية عما يشهده أقليم كوردستان من نهضة ثقافية وعمرانية وحراك مجتمعي في ظل هامش الحرية المتاح وسلطة القانون والاستقرار الأمني الملحوظ. وعندما نشرت الصحف بعض من تصریحاته الاعتراضية ضد التيارات السائدة ، کالقول بأنه: "لایرید أن يصاب المثقفین الکورد بالعدوى من اقرانهم العرب، فيلجأون لتكوين طروحاتهم بالاعتماد على السماع وليس التحقق من صدق المقولات" أو " الحضارة العربية انقرضت، والعرب سينقرضون" أو "لا مكان للمثقف ولادور له في مجتمع...الثقافة عند العرب هي مجرد مصلحة... لذلك المجتمع العربي يفتقر الى الثقافة المستقلة الحرة" أقام الشوفينيون والاصولیون العرب، الذین يعتبرون أنفسهم حراس الثقافة العربية و أرادوا احراجه بالمزايدات القوموية، الدنيا عليه ولم يقعدوها واتهموه بتهم باطلة وقاموا بالتهجم علی شخصیته، وهو قد اتهم في السابق بالإلحاد وطُرد من اتحاد الكتاب العرب في سورية بتهمة التطبيع مع اسرائيل.
فأدونیس المعروف بمواقفه الجریئة قام بالرد علی بعض منهم کالتالي: "الثقافة هنا تلعب دور الأمن السياسيّ، ويلعب المثقف دور الشرطيّ والمُخبِر ورجل الأمن. وهو دورٌ شائعٌ في الثقافة العربية، وفي العلاقات ما بين المثقّفين؛ ولا يخفى أمره ماضياً وحاضراً، خصوصاً، على الذين يُعنَون بقضايا الثقافة العربية ويتابعونها".
وقال في مکان آخر: " منذ ما سُمّي بـ «عصر النهضة» إلى اليوم، يزداد العرب تراجعاً في كل الميادين - نسبياً وقياساً إلى تقدّم غيرهم - في التربية والتعليم، في النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، في حقوق الإنسان وفي الحريّات الديموقراطية، في السلطة وفي السياسة. وماذا أقول عن موضوع صيانة البيئة؟"
" ازداد العرب استبداداً. وازدادت خاصّتهم غنى وعامّتهم فقراً. وتواصلت نسبة الأميّة - مقارنة بالمعدلات العالمية - خصوصاً بين النساء؛ وازدادوا تفكّكاً وتعصّباً على الصعيد الاجتماعيّ والدينيّ والسياسيّ. وازدادوا بطالة، وازدادوا على الصعيد النفسي ضياعاً ويأساً وبحثاً عن المخارج، في الهجرة، وفي الجماعات المتطرّفة خصوصاً . وتبعاً لذلك ازدادوا عودة إلى ما يزيد في التدهور والتخلف: أخذوا يتداوون بالداء . "
" ليس للعرب حضور سياسيّ فعّال على الخريطة السياسية الكونية، بوصفهم عرباً؛ وإنما ينحصر حضورهم في كونهم سوقاً، وثروة نفطية. لهم بتعبير آخر، حضور بوصفهم أداة أو أدوات، وليس بوصفهم طاقة خلاّقة تشارك في بناء العالم. بل ليست لهم فعالية سياسية تنقذ الحدّ الأدنى الذي قررته هيأة الأمم من أرض فلسطين، منذ ستين سنة، ليكون دولة فلسطينية، فضلاً عن عودة اللاجئين.".
هذه الآراء تنعکس في الشعارات التي ترفعها الحرکات والتیارات التي تتظاهر الیوم في کل من تونس و مصر و لیبیا وسوریا والیمن، فلماذا القول بأن أدونیس بقي صامتا؟
وهو القائل في حلبجة: " هكذا لا تنام حلبجةُ وإن خَيّلتِ النوم. دائماً شطرٌ منها يعانق أواخر الليل، وشطرٌ يعانق أوائلَ السّحَر. دائماً تطلع منها شمسٌ، وينشقّ فيها قمر. دائماً، ترافقها جوقةُ أشعّةٍ مما فوق النسيان، ومما بعد الحاسّة."...." يقول عمري خاور: لا يكفي أن يكون لك شكل الإنسان، لكي تكونَ إنساناً."
نحن نعتبرالزیارة التي قام بها أدونیس الی إقلیم کوردستان بمثابة انتصاره الأخلاقي والسياسي والثقافي وانفتاحه على ثقافة شعب كوردستان وتضامنه مع حقوقه، الشعب الذي أنجب شخصیات، کانت رائدة في عالم الأدب العربي، کجمیل صدقي الزهاوي و أحمد شوقي و عباس محمود العقاد و محمد كرد علي و معروف الرصافي و بلند الحیدري و...
یقول أدونیس: "لا يتمّ تغيير المجتمع بمجرّد تغيير حُكّامه. قد ينجح هذا التغيير في إحلال حُكّامٍ أقلّ تعفّناً، أو أكثر ذكاءً. لكنه لا يحلّ المشكلات الأساسية التي تُنتج الفساد والتخلّف. إذاً، لا بُد في تغيير المجتمع من الذهاب إلى ما هو أبعد من تغيير الحكّام، وأعني تغيير الأسس الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية."
وختاماً أرید أن أهنئ الشاعر أدونیس بمناسبة حصوله علی جائزة الشاعر الفیلسوف الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (1749-1832)، متمنیاً له دوام الصحة والإستمرار في الکتابة لمدارات جريدة الحياة اللندنية.