كيف انهزم (الاتجاه المعاكس)؟
_pukmedia
أود، افتتاحا، ان اثير السؤال التالي: لماذا غاب (الاتجاه المعاكس) الذي كان يقدمه المذيع فيصل القاسم من قناة الجزيرة القطرية مرة كل اسبوع عندما صار الاتجاه العام للاحداث والمصائر معاكسا حقا؟.
هذه الكلمة لا تثير السؤال اعلاه من باب التشفي ببرنامج تلفزيوني كان مثيرا للجدل، لكنها تثير ما هو أبلغ من السؤال، وما هو مغاير لظنة التشفي، وما هو اهم من برنامج تلفزيوني اتسم بالملاسنة والتحريض واختراق (عادات) الشاشة التقليدية الحكومية.
إنها تثير قضية الرسالة الاعلامية في مرحلة من اخطر المراحل التي مرت بها شعوب المنطقة، حيث سقط اعتى دكتاتور لديها واكبر جلاديها واكثرهم حضورا في شبكة الاعلام وقربا من اوهام الشارع، فيما انبرى (الاتجاه المعاكس) باسم المهنية وحق اثارة الاسئلة والانفتاح على الاراء المختلفة الى الدفاع المستميت عن سجل الدكتاتور، والدفاع الاكثر استماتة، عن خيار العنف والتقتيل والتجييش باسم (مقاومة المحتل) فيما قاعدة لجيوش المحتل لم تكن لتبعد عن ستوديو الاتجاه المعاكس سوى مئات من الامتار ومنها اغارت على وكر الدكتاتور.
هذه الفضيحة لم تكن الوحيدة في سجل برنامج القاسم، وإن كانت لوحدها تكشف للمراقب بشاعة التحضيرات لتسميم وعي الجمهور (الغاضب والمهمش والمتبرم من اعلام الحكومات) وتجهيز رسالة اعلامية منافقة بامتياز، فقد ازدحمت شاشته بالفضائح التي كانت ترتكب باسم المهنية واحترام الاراء واثارة الاسئلة الممنوعة، يمكن تأشير اكثرها نفاقا بتركيز الهجوم على حكومات منبوذة معينة واعفاء (وامتداح) حكومات من جنسها، بحيث بدا للاتجاه المعاكس لسانين، واحد مناهض لقمع الشعب، وآخر مدافع عن قمع الشعب، مثلما كان له لسانان واحد ضد الامريكان في دولة التدويل وآخر معهم في دولة التمويل.
كنا، إعلاميون وانصار للحرية، نتطلع الى كسر احتكار حكومات القبائل والحزب الواحد والجمهوريات الوراثية لدورة الاعلام وحق الوصول الى الحقائق وقبلنا على مضض مشروع (الاتجاه المعاكس) مفترضين ان بعض الفائدة افضل من لا فائدة، غير ان هبوب عاصفة التغيير والاحتجاجات التي شكلت، منذ مطلع هذا العام، اتجاها تاريخيا معاكسا في اقدار شعوب المنطقة، وكشفت، بين ما كشفته، نفاق البرنامج، إذ اختفى عن شاشة الجزيرة، وسط انباء عن حراجة صاحبه في الموقف من ثورة التغيير ضد نظام معين، او انظمة معينة يرضع منها ايديولوجية الولاء، ومبررات السكوت كل هذا الوقت عن جرائم وانتهاكات ضد الحقوق المدنية.
هذا في التفاصيل، اما العنوان العريض لهذه الفضيحة فيمكننا قراءته في ما هو اخطر امتحان للاعلام الذي اكتسى بالمهنية الزائفة واستخدم احدث تقنيات الاتصال وانطلق منها الى تسويق جملة مغشوشة، وغير ذي نية نزيهة.
اقول، انه امتحان، سقطت في وصفة اعلامية واحدة، لكنها نموذجا لوصفات اخرى لا نزال نتجرع علقمها.
وكلام مفيد
"الضمير محكمة تنقض أحكامها سريعاً".
موريس دروون