• Friday, 17 May 2024
logo

المواطنة الواقعية و الديمقراطية التشاركية و مكافحة الفساد

المواطنة الواقعية و الديمقراطية التشاركية و مكافحة الفساد
د. سامان سوراني
_صوت كوردستان


من الواضح بأن لکل تقدم تاریخي مفاجآته، ولکل تسارع تقني حوادثه وأعراضه، ففي العصر الحديث ومع ثورة المعلومات أصبحت المواطنة هي العمود الفقري للديمقراطية، و أصبح المواطن المحور الرئيسي في المجتمع. والمواطنة تعني تساوي المواطنین في الحقوق والواجبات دون أي تمییز عنصري أو طائفي أو جنسي أو ديني أو مهني أو فكري أو ثقافي أو اجتماعي أو حزبي أو أي تمييز آخر يعطي الأكثر للبعض ويقلل من حقوق الآخرين.
علیه استنقاء خصوصیات المواطنة من المرجعية الاجتماعية والفكرية والأخلاقية والسياسية، لا من مرجعيات دينية فقط، مرجعیات تعود مفاهيمها الی العصور الوسطى، والتي تحمل في طیاتها من الناحیة العملیة رفض فکرة المواطنة و حياد الدولة بالنسبة للمعتقدات. والمواطن رهنٌ لإمکاناته علی أن یحول الواقع، وأن یتغیر عما هو علیه فکراً أو هویةً أو فعلاً وممارسةً. ، فإنفتاح المواطن علی المجهول وتعامله‌ مع المستبعد و کل ما من شأنه أن یتحدی النظریات والمفاهیـم السائدة بمنطق تحویلي، یوسع لدیه مجالات الممکن و یتیح له‌ المشاركة في صنع الحدث من خلال الانخراط في اللعبة والعمل علی التأثیر في مجریاتها.
نحن إزاء فتح کوني، یتغیر معه سیر العالم علی ماکان یجري علیه حتی الآن، فمع التقدم الهائل للاتصالات أصبح الفكر السياسي للناس في العالم، أكثر وعياً وانفتاحاً وتحرراً وصار عند سكان الأرض رغبة باستجواب السياسيين في كل أنحاء العالم.
إن الدول الغربية الديمقراطية اليوم هي علمانية، فلا نری دخل للدين ومؤسساته في أمور الدولة والتشريع. فالقوانين مدنية لا تستند على قواعد الدين، بل تستند على قوانين وضعية بنيت نتيجة توازن القوى السياسية والاجتماعية، على أرضية ثقافية عقلانية بعيدة عن التأويلات والمعتقدات الدينية. الديمقراطية التشاركية المبنية على الشفافية والمشاركة اليومية منتشرة في شمال أوروبا منذ عدة عقود من الزمن وقد تم تبنيها رسمياً كنموذج مثالي من قبل دول الاتحاد الاوربي.
والديمقراطية تعني إعداد المشاريع والبرامج السليمة القائمة على أساس الحرية واقناع الرأي الآخر، فهي لا تطبق من دون الشفافیة، التي هي احدی اهم الرکائز التي تقوم علیها الدیمقراطیة وتعزز و تطور مفاهیمها و تقوي قواعدها ولبناتها و بغیاب الشفافیة تذهب الدیمقراطیة أدراج الریاح وتضیع معها حقوق الانسان وتکرس مفاهیم الدکتاتوریة والعنف بحق المواطن.
من المعلوم أن الدیمقراطیة هي ثقافة تهذب الفكر والسلوك للعيش مع الآخرين واحترامهم رغم الخلافات العميقة بين طبقات المجتمع سياسياً واجتماعياً وقبول مبادئ تحول السلطة من فريق إلى آخر بشكل سلمي.
إن تحرّر العقول من أغلال الخوف وقيود القواعد الثقافية البالیة والأديولوجيات المستهلکة والأصولیات المتحجرة هو السبيل الأمثل من أجل النجاح والتطور وخلق أجواء أكثر ملاءمة لمقاومة إعادة الاستبداد والعمل لإصلاح الامور في الدولة الديمقراطية الفتيّة.
فالديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي و الرادع الأخلاقي العقلاني المستند على قيم كالعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان يرسم طريقا واضحا للسياسي ليكون عمله منسجماً مع مصلحة المواطنين.
وإذا ماقام طرف سیاسي بالعمل من أجل الوصول الی السلطة طمعا بها ولغایات فردیة أو فئویة واستغل المنصب السیاسي لغایات شخصیة، فمعدی هذا الأمر تقود الی خلق فصم بین هذا الطرف وبین المواطنین و یضعه في موقع اللاشرعية واللامصداقية. بهذا يصبح التفويض الديمقراطي غير معقول، في حالة تناقض. و إن عمل السياسي لصالح المواطنين تبعاً للدستور المؤسس على مفاهيم العدل والمساواة والمساءلة هو الشيء المعقول والأخلاقي لضرورية العيش في دولة ديمقراطية. والديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي، لذا یمکن إعتبار الأخلاق في السیاسة حجر الزاوية في بناء ديمقراطية قوية وفعّالة.
أما الفساد وإنتشاره في ظل النظام الدیمقراطي، فأنه أحد أبرز تحديات إدارة الحكم، يؤثّر سلباً على عمليات الإصلاح والتنمية، وهو یأتي نتيجة قصور في أداء مؤسسات إدارة الحكم في المجالين العام والخاص، ویؤدي الی إضعاف الجهود المبذولة للحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان و عدم مکافحته یؤدي الی استیاء شعبي والتظاهرات الأخیرة في بعض البلدان العربیة شاهد علی مانقوله.
من الواضح أنه لا يجوز أن تكون كل أعمال الحكومة علنية، ولكن من الواجب أن تكون هنالك رقابة ومساءلة، فالشفافية والمساءلة هما شرطان أساسيان من شروط الحكم الرشيد، ولكي تكون المؤسسات المستجيبة لحاجات الناس ولمشاغلهم منصفة وعادلة، عليها أن تكون شفافة وأن تعمل وفقاً لسيادة القانون، وتضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول الجمهور.
إن التدفق الحر للمعلومات تقي من الاخطاء الحكومية، ومن ارتكاب أخطاء في تقدير الموارد، ومن الفساد ، لذا تعتبر الشفافية عنصر رئيسي من عناصر المساءلة البيروقراطية. وتتطلب المساءلة وجود نظام لمراقبة وضبط أداء المسؤولين الحكوميين والمؤسسات الحكومية، خصوصاً من حيث النوعية وعدم الكفاءة أو العجز وإساءة استعمال الموارد. ومن الضروري أيضا وجود نُظُم صارمة للإدارة والوكالة المالية، وللمحاسبة والتدقيق، ولجباية الإيرادات جنبا إلى جنب مع عقوبات تطبّق بحق مرتكبي المخالفات المالية والإدارية. ويتطلب الإصلاح الفعّال إلتزاماً سياسياً يجب أن يحظى بمساندة القطاع الخاص والمجتمع المدني، وإن تطویر تطوير مؤسسات ديمقراطية وقابلة للمساءلة (بما فيها الأحزاب السياسية والاتحادات المهنية الحرة ووسائل الإعلام) مسألة ضروریة بالنسبة للإصلاح الإداري.
أما التغیر الاخیر في مشهد العالم، فأنه یفضي الی تغیر الثقافة الدیمقراطیة أیضاً، فالاخیرة لم تعد کما کانت علیه، سواء من حیث أطرها ومضامینها، أو من حیث وسائطها ومسالکها، أو من حیث آلیات تشکلها.
وختاماً: لا دیمقراطیة تشارکیة في ظل غیاب المواطنة الواقعیة والشفافیة.
Top