الأنفال = الازالة
-الإتحاد
كانت الأمبراطورية العثمانية التي تقلدت مقاليد حكمها التوسعي خلال القرن التاسع عشر، تضم مناطق شاسعة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وتحكم شعوب هذه المناطق من العرب والبربر والكرد والترك والعجم وغيرها من القوميات بأسم الدين الأسلامي الحنيف، وكانت الغلبة للفكر الأسلامي ولم يكن الشعور القومي بأستثناء القومية التركية ، غالباً على المشهدين السياسي والأجتماعي.
وحين أصيبت الأمبراطورية بالضعف والهوان، وأُطلقت عليها تسمية (الرجل المريض)، توجهت أنظار الدول الغربية الى المناطق التي تسيطر عليها، حيث كانت مناطق ستراتيجية ـ هامة وغنية بالمعادن بما فيها النفط.. ، وكان هذا هو السب الرئيسي لأندلاع الحرب العالمية الأولى، وخسارة الأمبراطورية لمناطقها الحساسة، والتراجع والأكتفاء بتأسيس دولة تركية على أسس قومية.
وعلى إثر التغييرات التي حدثت ووفق مصالح الدول الرابحة في الحرب برزت الدول العربية (وعلى حساب تأسيس كيانات للقوميات الأخرى لا سيما الشعب الكردي) وضمت على أراضيها القوميات التي كانت تتعايش سابقاً في ظل الحكم العثماني.
ومنذ ذلك التأريخ والأنظمة العربية ، تناست مظلوميتها ونسيت تعرض الشعب العربي مع الشعوب الأخرى ، لعمليات (التتريك) ، وتبوأت مكان الأمبراطورية في مجال إتباع سياسة المحو و الأبادة وتعريب القوميات ، وكان خير خلف لخير سلف بهذا الشأن. وعانت القوميات المذكورة من الظلم والأضطهاد والحرمان من الحقوق القومية، ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر وبشكل تدريجي، الى حد الأبادة، وكانت عمليات القصف الكيمياوي والأنفال التي مورست ضد الشعب الكردي خير دليل على ذلك، والعمليات هذه تجاوزت حدود الأبادة ووصلت الى حد (الأزالة) أي الأزالة من (الوجود)، فالنظام الصدامي كان يضع الخطط والبرامج والستراتيجيات، لأزالة الشعب الكردستاني من الوجود، ومن بين تلك الخطط تغيير (الهوية) من الكردية الى العربية (وأعتبره حقاً لكل مواطن)..!! ويا له من حق، وقام بأجبار أبناء الشعب الكردي وخصوصاً في محافظة كركوك لتغيير قوميتهم، وكذلك إجبارهم وتحت غطاء (الأنسانية)! بالأنتماء الى حزب ما يسمى ب(البعث)، فهذا الأنتماء يحتم على الأنسان الكردي النضال من أجل تحقيق أهداف الأمة العربية وبشكلها العنصري.
والأنخراط في صفوف الجيش الشعبي، وتشكيل منظمات (الطلائع) لتلامذة المدارس يقعان ضمن الأساليب نفسها ولتحقيق الأهداف ذاتها المتمثلة ب(إزالة الوجود القومي) ...!
هذا من الناحية السياسية والفكرية، ومن الناحية الممارساتية، كانت هناك حملات التدمير والترحيل والتهجير، وإخلاء المناطق السكنية الكردية ، وإسكان أفراد من القومية العربية فيها، ولم يكتف النظام بالأساليب المذكورة، بل لجأ الى الأسلحة الكيماوية ، وتنفيذ عمليات (الأنفال) كما ذكرنا سابقاً ولم يتوان في هذا السبيل إستغلال سورة من سور القرآن الكريم ، لتحقيق مآربه الدنيئة ، بغية إزالة شعب يعيش على أرضه بأمان ويمتلك كافة مقوماته القومية. فالأنفال بأختصار لم تكن عمليات محدودة ذات أهداف آنية ، بل كانت ذات إستراتيجية لأزالة (شعب آمن) من الوجود.