• Friday, 17 May 2024
logo

لماذا لم تتحرك تركيا سياسياً تجاه دمشق؟

لماذا لم تتحرك تركيا سياسياً تجاه دمشق؟
محمد نور الدين
-السفیر

يثير تساؤل الكاتب التركي طه اقيول عن السبب الذي يدفع وزير الخارجية احمد داود اوغلو لعدم الذهاب إلى دمشق، الكثير من علامات الاستفهام الأخرى التي يمكن للمتتبع للسياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة أن يطرحها.
من ذلك أن تركيا اعتمدت سياسة انفتاحية، من أدواتها «الدور الوسيط» لحل المشكلات، ليس فقط بين الدول بل أيضاً داخل بعضها. ومن ذلك مثلاً الأزمة اللبنانية، والوضع داخل العراق وفي باكستان وداخل أفغانستان.
لكن منذ اندلاع حركات الشارع العربي من تونس إلى مصر واليمن والبحرين والسعودية والآن سوريا، اكتفى المسؤولون الأتراك بمراقبة الأوضاع من بعيد وإطلاق المواقف. ولم يسجل لا لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ولا لوزير خارجيته أية حركة مكوكية داخل هذه الدول أو بين بعضها، بل أطلقوا العنان لسجيتهم في تلقين القادة العرب «الدروس» بضرورة التجاوب مع «مطالب الشعب المحقة»، وفقاً للتوصيف الذي دأب الأتراك على استخدامه في الفترة الأخيرة.
بل ما يلفت أن اردوغان أرسل مسؤولاً أمنياً هو رئيس الاستخبارات حاقان فيدان إلى دمشق للقاء المسؤولين السوريين بدلاً من إرسال مسؤول سياسي، هو شخصياً مثلاً أو داود اوغلو، في ما يمكن أن يفسّر على أنه تجنّب للبقاء خارج الأحداث وانتظار مآلها حتى يبنى على الشيء مقتضاه، والتعامل مع النظام الجديد الذي يمكن أن ينشأ أو استمرار التعامل مع النظام الحالي في حال بقائه في السلطة. وهذا أمر ليس مفيداً جداً للسياسة الخارجية التركية، إذ أن المواقف التركية الحذرة والمحتاطة في البقاء على مسافة متساوية إلى حد ما من الرئيس السوري بشار الأسد ومن المعارضة، يوحي بأنه ليس لدى أنقرة من مشكلة في التعامل والتعاون مع نظام بديل عن نظام الأسد، وهذا قد يضرّ في الثقة التي بنتها أنقرة مع الأسد، ويلقي ظلالاً من الشكوك في مجمل عناوين الحركة الدبلوماسية التركية في المستقبل تجاه مختلف القضايا العربية والإسلامية.
وواكبت الصحافة التركية ما يجري في سوريا في شبه إجماع على أن الخطوات التي أعلنها الأسد غير كافية وأقل بكثير من التوقعات.
سميح ايديز، كتب في «ميللييت» أنه «مقارنة مع الوضع في ليبيا فإن الوضع في سوريا أكثر حساسية وخطورة. إذ من غير الواضح إلى أين ستنتهي الأمور. والرئيس بشار الأسد لم يظهر زعامة ترضي أنقرة حتى الآن، خصوصاً إذا فكّرنا ببنية سوريا حيث تثار الشكوك حول إمكانية النجاح. وهو ما يثير قلق أنقرة».
ويقول الكاتب «إن أي انفجار على نطاق واسع سيؤثر على أنقرة كثيراً من دون شك. وسيواصل اردوغان توجيه نصائحه إلى الأسد بشأن الإصلاح، لكن مدى نجاحه في ذلك موضع نقاش، ولهذا السبب فإن اردوغان بدأ يتحدث بشكل أكثر حذراً واحتياطاً».
وفي الصحيفة ذاتها كتب طه اقيول، المعروف باعتداله، إن له ميلاً نحو الأسد، و«مع انه واصل نظام أبيه لكنه كان أكثر ليونة وانفتاحاً، ولا سيما في ما يتعلق بإقامة علاقات صداقة مع تركيا». ويضيف «والد الأسد، الرئيس الراحل حافظ كان يطالب بالاسكندرون، ويريد سوريا الكبرى ويدعم حزب العمال الكردستاني. بينما تمّ وضع الحجر الأساس في عهد بشار لسد الصداقة على العاصي. ونصف المغادرين من مطار هاتاي (الاسكندرون) هم من السوريين، كما تشهد العلاقات بين هاتاي وغازي عينتاب وأورفة من جهة وحلب من جهة أخرى حركة نقل كثيفة. وتحوّلت تركيا من بلد عدو في الذهنية السورية إلى بلد صديق، وتحوّل الأشقاء السوريون إلى نموذج ممتاز لمفهوم التغيير».
وأضاف «أما في الداخل فيجب عدم النظر إلى التحركات الداخلية على أنها مؤامرة، بل رغبة في التغيير. لكن، مع الأسف، فإن الرئيس الأسد إذ قال إنه يرى واقع التغيير فإنه وصف المطالب الديموقراطية بالمؤامرة».
ويقول اقيول إن «حافظ الأسد كان مثل جمال عبد الناصر رمزاً للقومية العربية. وكانا يضعان اللوم على الخارج في أية قلاقل. وكل الحكام العرب القوميين من عبد الناصر إلى حافظ الأسد إلى صدام حسين إلى معمر القذافي يحملون ذهنية المؤامرة نفسها». وأضاف أن «العالم اليوم تغير. وقد غيّر التعليم والتمدين (من مدينة) والتجارة ولا سيما الإعلام والتلفزيون الذهنية العربية والعرب يريدون الحريات الموجودة في العالم».
وقال الكاتب المعروف بتركيزه على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية من الحراكات الشعبية إنه «إذا لم تنفتح الطريق أمام الكتل الاجتماعية المتطلّعة فإن التوترات الاجتماعية سوف تتصاعد. وإن شاء الله لا تدخل سوريا في كارثة».
ويوضح اقيول «إن النزعة القومية يجب أن تفتح اليوم الطريق أمام الديموقراطية. وقد أظهر الأسد في خطابه الأخير عدم وضوح في الرؤية عندما قال إنه بقي متأخراً في تطبيق الإصلاح لكنه في الوقت نفسه وصف ما يجري بالمؤامرة. ونظراً لأن بشار لا يمكن أن يواصل طريق والده فإنه يجب أن يتخذ قراراً يدخله التاريخ كزعيم فتح أبواب بلاده بل الشرق الأوسط أمام الديموقراطية ومن دون تأخير. إن وحدة سوريا واستقرارها ودمقرطتها ذات أهمية مصيرية لتركيا». وتساءل «لماذا لا يذهب احمد داود اوغلو، الذي يعرف جيداً خصائص العصر، إلى دمشق؟».
وفي صحيفة «حرييت» كتبت فرائي تينتش مقارنة بين الأحداث في ليبيا وبين ما يجري في سوريا وأذربيجان. وقالت إنه إذا كانت المصالح الاقتصادية قد حدّدت مواقف تركيا تجاه ليبيا فإن الوضع مختلف في سوريا وأذربيجان، حيث هنا الحدود المشتركة والروابط العائلية وحقوق الجيرة ومصالح مشتركة كثيرة. وتضيف إن على تركيا في مواجهة رياح التغيير في هذين البلدين أن تكون سياساتها أكثر دقة بكثير.
Top