• Friday, 17 May 2024
logo

واجبات الدولة كثيرة

واجبات الدولة كثيرة
محمد عبد الجبار الشبوط
-الصباح



يحيل الدستور العراقي الدائم الكثير من الوظائف والواجبات على الدولة. وقد احصيت مواد الدستور التي تتحدث عن هذه الوظائف فوجدت اكثر من 12 مادة. وتؤدي زيادة وظائف الدولة وواجباتها الى زيادة نفقات الدولة، او زيادة حجم ميزانيتها، التي تتألف في الدولة الريعية من واردات النفط والثروات الطبيعية، ومن الضرائب في الدول الاخرى. هذا فضلا عن تضخم حجم جهازها الوظيفي واثقال عاتقها بالاعباء والاعمال. وعددت المادة 110 تسع مهام تختص بها السلطات الاتحادية، مثل رسم السياسة الخارجية والامن الوطني والسياسة المالية وغير ذلك. وحتى قبل كتابة الدستور الحالي فقد تعلمنا في العراق ان تقوم الدولة تقريبا بكل شيء: من الدفاع عن الوطن، الى تقديم الخدمات البريدية وتنظيف الشوارع وتوفير وسائل النقل واستيراد المواد الغذائية. ولهذا فوائد منظورة، ومساوئ قد تكون غير منظورة. من "المنظور" انها تريح بال المواطنين، فما دامت الدولة تقوم بكل شيء بالنيابة عنهم، فما الذي يدعو الى القلق والتفكير والاهتمام بامور خارج المسائل الشخصية والعائلية لكل فرد؟ ومن "المستور" ان ذلك يساعد على الفساد المالي والاداري ويساعد على تحويل المواطنين الى رعايا، ويميت الشعور الفردي بالمسؤولية العامة، وغير ذلك مما نعرف، و نعاني.

تميل الدول الديمقراطية الحديثة الى تقليص واجباتها واعبائها ووظائفها واحالة الكثير من هذه الوظائف الى السكان والجماعات المحلية والشركات الخاصة. وتميل الدراسات الحديثة الى حصر وظائف الدولة بالدفاع الوطني والسياسة الخارجية وتطبيق القانون، وبعض الامور الاخرى. في مقابل ذلك تبحث هذه الدولة عن المجالات التي يمكن ان تتخلى عنها الدولة لصالح المجتمع والقطاع الخاص ومجموعات السكان المحلية. في بريطانيا تقوم شركات خاصة بتقديم خدمات البريد والهاتف والاتصالات الاخرى والكهرباء والماء والدراسة الجامعية والكثير من الامور الاخرى، مثل استخراج النفط والفحم والثروات الطبيعية الاخرى. تقوم الدولة عادة بفرض ضرائب على نشاط القطاع الخاص في هذه المجالات، وتكون هذه الضرائب هي مصدر تمويل الدولة، ما يجعلها تابعة للمجتمع، وليس العكس.

يؤدي ذلك الى تنشيط القطاع الخاص، وجعله احد اهم موارد توفير فرص العمل، وتقليل حالات الاعتماد على الدولة، الامر الذي يؤدي بدوره الى تعزيز قوة المواطن، وبالتالي تعزيز الديمقراطية، واستقلالية المجتمع المدني.

تشير التطورات الاخيرة في بلادنا الى ان الدولة العراقية لم تعد قادرة على القيام بكل شيء. وان على الجماعة البشرية العراقية ان تتخذ قرارا تاريخيا كبيرا متعلقا بتقليص وظائف وواجبات الدولة واحالتها الى القطاع الخاص والجماعات السكانية المحلية، باعتبار ذلك واحدا من طرائق حل الازمات التي تعاني منها البلاد الان مثل تردي الخدمات، على سبيل المثال لا الحصر بطبيعة الحال. يقتضي هذا اعادة التفكير بفلسفة الدولة التي نؤمن بها ونطبقها على سبيل الاستصحاب منذ نشوء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي حتى الان، وطرح فلسفة جديدة للدولة تعتمد على تفعيل دور المبادرة الفردية ونشاط المجتمع الاهلي والجماعات المحلية.
Top