• Friday, 17 May 2024
logo

إيران، ابتسامات هادئة ولسعات لاذعة

إيران، ابتسامات هادئة ولسعات لاذعة
عبدالله بشارة
-جريدة الوطن



تابعت انفعالات الشيخ محمد الصباح، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وهو يدلي ببيان الى الصحافة بعد لقائه مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة، حول شبكة التآمر الإيرانية مع عمليات التجسس التي نشرت تفاصيلها «القبس» يومي الجمعة والسبت الأول والثاني من ابريل الجاري، وجاء عتاب الشيخ محمد الصباح رقيقاً ومصدوماً مع انكشافات النوايا الإيرانية التي لم يكن يتوقعها ضد بلد، يقول الشيخ محمد، هو صديق لإيران، ووقف ضد التوجهات لضربها وحرم استعمال أراضيه وأجوائه من أجل إنقاذها، وواضح ان المسؤول الكويتي مصدوم من التصرفات الإيرانية التي أساءت الى بلد كل ما يريده منها حسن الجوار وعدم التدخل والأمن والاطمئنان.
إيران بلد ثوري، راديكالي، يملك أجندة داخلية واقليمية ودولية، تتعارض مع سلامة دول الجوار ولا تتفق مع مبدأ حسن التعامل، ولا تفي بشروط احترام السيادة والاستقلال وتقدير ارادة الشعوب، إيران منذ عام 1979، لها أطماع، بعضها جغرافية، وبعضها هيمنة سياسية، وأطماعها مكتوبة ومدونة في فقه الثورة كما جاءت في البيانات وخطب المرشد العام، وتصريحات المسؤولين، ومداخلات أحمد نجاد.
إيران تمنح لنفسها حق الحديث عن الشيعة والتعبير عن آمالهم، وتفرض صلاحياتها في حماية كل الشيعة أينما كانوا، ورعاية مصالحهم وتشجيع نشاطهم، وإيران دولة ثورية، يتعارض نهجها مع سيادة الدول، ومع حدود دول الجوار، ومع مبادئ القانون الدولي، ومع الهوية الوطنية للشعوب، إيران مثل جحافل القوافل في القرون الماضية، التي لا تتوقف عند حدود، ولا تعترف بجنسية ولا بالدولة، ولا بالسيادة، تسير وفق خطة معينة للمصالح وللمفاهيم العنيفة، إيران الثورة جحافلية بدائية لا تتوقف عند مراكز الحدود لتطلب إذن العبور، إيران ماضوية رجعية مأخوذة بتفسيرات غامضة وخرافية، تدعو لها السلطات في طهران، وإيران تملك قدرة على التخريب والدمار وتتخفى وراء حلفاء بنتهم بالتثقيف وبالمال وبالولاء، وشيدوا لها حصوناً في دول أخرى، غير عابئة بمصالح هذه الدول وغير مبالية بحساسيات السيادة فيها.
نرى حزب الله وهو الذراع المثيرة لها ليس في إقليم الشام فقط وإنما اتسعت له الجغرافية ممتدة الى غزة ومصر والى أفريقيا المسلمة سواء في السنغال التي طردت السفير الإيراني منها أو في السودان، الحليف البائس لها، وإيران ترى الخليج ساحة من حقها ممارسة النفوذ فيها، ليس فقط بسبب القرب الجغرافي، وإنما لها حق في رعاية الشيعة فيها، وتطويقهم بالعناية الإيرانية وتبني مطالبهم والتفاعل مع آمالهم، وأكثر من ذلك، فمن حق إيران وضع الكوابح على دبلوماسية دول الخليج التي عليها أن تتعايش مع الاستراتيجية الإيرانية، إن لم تستطع التماثل معها، فلا يحق لهذه الدول ان تنضم الى تجمعات لا ترتاح لها إيران، وعلى دول الخليج أن تسير في نهج مؤيد للمصالح الإيرانية ولا يتعارض مع حق الجار الأكبر في وضع قواعد اللعبة السياسية التي يجب أن تحترمها دول الخليج.
هذه المؤشرات عن السياسة الإيرانية تقدم لنا الواقع الموجود في الخليج، والذي يبدو أن انكشافه سبب صدمة للشيخ محمد الصباح، الذي تسيدت مفرداته عتاب الجوار.
إيران ليست الدنمارك، وليست دولة اعتيادية لها حقوق ولها واجبات، ليست مهتمة بحقوق الإنسان ولا تعترف بالمبادئ المستحدثة في حق التدخل الإنساني، وفي حق قوة العدالة ولا دور في حساباتها لمبادئ القانون وضوابط الأمم المتحدة.
واذا أحجمت إيران عن إرسال جيشها الى دول الجوار فليس ذلك اعترافاً بالسيادة لهذه الدول وانما حماية لمصالحها وحرصا على بقاء نظامها الرجعي، ولكنها تعوض عن التدخل المباشر بإقامة قواعد العملاء والحلفاء وتركيز أصابع التخريب في الخليج وفي غيره من الأقاليم، مع استماتة لتحقيق أحلامها في سلاح نووي يشكل لها الرادع المضمون لبقاء النظام.
ماذا يمكن أن تعمل دول الخليج أمام هذه الحقائق؟
أولاً – ليس المطلوب إظهار العداء السافر لإيران وليس من المتوقع أن يسعى مجلس التعاون للمواجهة، ولا يندفع نحو تصعيد التوتر، ولا جر المنقطة الحساسة الى مواجهة مع إيران، وما يعني ذلك من تدخل القوى الدولية لحفظ المسار النفطي الآمن.
المطلوب هو تأكيد المبادئ العشر التي تبناها المجلس في عام 1987-1986 والتي تشكل خريطة الطريق لتنظيم العلاقات بين إيران ومجلس التعاون، وهي مبادئ تصر على حسن الجوار، وعدم التدخل وتبادلية المصالح، مع عدم احتضان الإرهاب أو ممارسته وعدم تبني النشاطات العدائية لدول المجلس.
هذه المبادئ تعكس موقفاً بناءً يراعي حق الجوار ويتسم بحسن النوايا، ولم تتجاوب إيران مع تلك المساعي وانما تبنت بيانات عائمة وغامضة، تردد فيها حسن نواياها، دون الاعتراف بخصوصية السيادة لهذه الدول، ودون التزام مبدأ عدم التدخل.
ثانياً – لابد من الالتزام الجماعي بسياسة خليجية موحدة تجاه إيران، بدلاً من الاجتهادات الفردية والمساعي الثنائية مع إيران، فالوقوع في شرك السياسة الإيرانية يؤدي الى تباينات في المواقف في داخل دول المجلس، فليس لإيران حق في دعوة المملكة الى سحب قواتها من البحرين، وهي قوات خليجية جماعية لا غبار على شرعية وجودها، لكن إيران تعمل على الفصل داخل المجلس، فهي لا ترتاح الى سياسية المملكة، ولا تطمئن للإمارات وتراعي عمان وتتقرب الى قطر وتكذب على الكويت.
ثالثاً – الحفاظ على الترابط الخليجي – العالمي، فإقليم النفط ليس منطقة تملكها دول مجلس التعاون وحدها، وانما الأسرة العالمية بكل أطرافها، شريك فيها وفي استقرارها وفي الحفاظ على سلامتها وفي حرية المرور في ممراتها البحرية وفي تأمين إمدادات الطاقة حفاظاً على ازدهار العالم وأمنه وسلامته.
وعلينا استذكار قرار مجلس الأمن رقم (525) الذي تبناه المجلس بعد شكوى دول مجلس التعاون من تدخلات إيران في الممرات البحرية ضد ناقلات النفط الكويتية والسعودية آنذاك، وتأكيد الملجلس البعد الأمني الدولي لواقع المنطقة، فالخليج ليس بحيرة محلية صغيرة كما تتصور إيران، وإنما مصدر المنابع الأساسية للحياة الاقتصادية والمعيشية للعالم.
رابعاً – لابد من تكثيف النشاط المخابراتي المعلوماتي ليس بين دول المجلس وإنما مع القنوات العالمية كمصادر معلومات ضرورية، وعليها بناء شبكة مؤثرة بين قوى التحالف للوقوف على مخططات التخريب والقضاء عليها في بداية المنشأ قبل استفحال شرها.
خامساً – نقل السجل الإيراني التخريبي الى عواصم العالم للاطلاع عليه وللوقوف على طبيعة النظام الذي لا يعترف بالخريطة الجغرافية وحدودها وبحق شعوبها لإدارة أمورها دون تدخل، وإدخال هذه الحقائق الى ملفات مجلس الأمن، فأكثر ما يزعج إيران هو تعرية حقائقها وفضح طبيعتها وسحب الستار عن نواياها.
نحن في انتظار الموقف الواضح والناضج والمسؤول في مجلس التعاون، فالتسامح والغموض يشجع إيران على الاستخفاف بالمجلس وبمواقفه وبتصريحات المسؤولين فيه.
وتبقى حقيقة لابد من الوقوف عندها، النظام الإيراني منزعج من انطلاق دعوة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان الذي أزعج الأنظمة الجامدة والمتحجرة، ومنها أصدقاء وحلفاء، سيؤدي سقوطهم الى هبوط في حياة نظام الثورة الإيرانية..
Top