• Wednesday, 13 November 2024
logo

تفسير الأحلام... وابتزاز الغريزة

تفسير الأحلام... وابتزاز الغريزة
"إن لم أستطع إخضاع الآلهة، فلا أقلّ من أن أجعلها تزمجر".
بهذه العبارة يبدأ سيغموند فرويد كتابه "تفسير الأحلام" (من ترجمة مصطفى صفوان) مبرزاً من خلالها حجم الابتزاز الذي تمارسه الغريزة في ضغطها المستمرّ على الأنا بغية تحقيق مآربها. وهذا ما يمثّل أحد أهم أسباب وجود الأحلام، أو ما يُسمَّى برسائل اللاشعور.
اعتقد فرويد بأن للحلم وظيفتَين: الأولى فيزيولوجية تهتمّ بحماية النائم وتحافظ على استمرارية عملية النوم. يلعب فيها الجزء الدماغي المسؤول عن صناعة الأحلام دور الأم التي تسهر على راحة أبنائها وتتدخل في الوقت المناسب لحمايتهم من أي طارئ. والثانية رغبوية - نفسية تتمثل في التنفيس عن رغبات محظورة لتحقيق التوازن النفسي.
وبالتالي فإن إحدى أهم وظائف الأحلام هي في خلق تصوّر ذهني آنيّ لتنبيه الذات عن شيء ما يحصل في الخارج يهدّد النائم، وهذا أمر يؤكّده عالم النفس هربرت سير برير من خلال ما أسماها "الظاهرة الوظيفية".
لقد قام سير برير بتجربة صغيرة ليتثبّت من وجهة نظره هذه، فربط المنبّه ليلاً ليستيقظ على صوته ويراقب بذلك ردَّة فعل الدماغ المتمثلة بالحلم. وقد شاهد سيربرير خلال هذه التجارب عدة أحلام تتوافق في تناغمها مع رنة جرس المنبه الذي كان يوقظه بمشاركتها!
ففي حلمه التجريبي الأول شاهد نفسه في مطعم يطلب النادل الذي جاءه وهو يحمل عدداً كبيراً من الأطباق المتراصة فوق بعضها البعض وفجأة بدأت بالاهتزاز مصدرة صوتاً قوياً (تكتكة) أدى إلى إيقاظه.
وفي حلمه الثاني كان يسير في حديقة وإذ بموكب يعزف موسيقى عسكرية بصوت منتظم بإيقاع عالٍ أدى إلى إيقاظه بالتجانس مع صوت جرس
المنبّه. فإذاً ثمة جزء دماغيّ يقوم برصد الخارج أثناء نومنا ويتفاعل معه ويتدخل إن اقتضت الحاجة لذلك.
يُشبِّه فرويد مشروع بناء الحلم بالمشروع الاقتصادي الذي يحتاج إلى عنصرين أساسيين: المموّل والكادر المنفّذ. صاحب رأس المال يمثّل الرغبة المحظورة والمحرومة من العودة إلى الأنا الواعية، وعناصر المشروع العاملة هي الأحداث اليومية المبتذلة والتي يطلق عليها فرويد مسمى "التوافه" أو "ما يتبقى من عشاء ليلة البارحة على الطاولة".
يعمل النظام النفسي "القبل شعوري" جاهداً طوال النهار على منع الرغبة المحظورة وغيرها من الولوج إلى مكتب الأنا. لكنه أثناء النوم يرخي قبضته إلى حد كبير مما يسمح للرغبة بالتسلل بعد أن تتَّحد مع حدث يومي فارغ فيمنحها هذا الالتحام شرعية الظهور.




ايلاف
Top