• Thursday, 13 February 2025
logo

فرنسا وتركيا في المشهد السوري

فرنسا وتركيا في المشهد السوري

شريف علي 

 

المصالح الفرنسية والتركية تتضارب في عدة ملفات إقليمية، وتحديدا سوريا. خاصة وانه هناك دعم فرنسي – في إطار التحالف الدولي ضد داعش - لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكوردستاني (PKK) ففي الوقت الذي تسعى فيه فرنسا إلى تعزيز دورها كقوة أوروبية فاعلة في المنطقة، تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها كقوة إقليمية صاعدة، مع انحصار الدور الايراني. ويُعدّ الدور الفرنسي في سوريا، وعلاقته بالصراع مع تركيا، موضوعًا جيوسياسيًا معقدًا يتأثر بتاريخ العلاقات بين البلدين، والمصالح المتضاربة لهما في المنطقة، والتطورات على الأرض السورية فالتاريخ الاستعماري لفرنسا في سوريا -التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية - يمنحها نفوذًا ثقافيًا وسياسيًا تاريخيًا في المنطقة. الذي يُلقي بظلاله على علاقاتها مع القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا وريثة الامبراطورية التي ربطتها هي ومن بعدها تركيا الجمهورية مع فرنسا اتفاقيات عدة منها:

- اتفاقية لندن عام 1840 التي نصت على إخراج إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا حاكم مصر من سوريا وإعادة المناطق إلى الحكم العثماني.

- مؤتمر سان ريمو ( 1920) الذي انعقد بعد الحرب العالمية الأولى، وقرر فيه الحلفاء تقسيم مناطق الدولة العثمانية، ووضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. هذا القرار شكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، حيث خضعت للإدارة الفرنسية المباشرة.

- اتفاقية أنقرة (1921)  بين فرنسا وتركيا لترسيم الحدود بين تركيا وسوريا. بموجب هذه الاتفاقية، تم اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية وضمها إلى تركيا، مثل اقليم كيليكيا (الولايات الجنوبية الشرقية المحاذية للشمال السوري ). هذا الاقتطاع أثر بشكل كبير على الجغرافيا السورية.

- محافظة الإسكندرون حيث منحت فرنسا الإسكندرون حكمًا ذاتيًا عام 1937، ثم سمحت لتركيا بضمه عام 1939، تحت اسم هاتاي ، لكسب تركيا الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

هذا ما يجعل من الحضور الفرنسي في المشهد السوري بالغ الاهمية خاصة وانه لم ينقطع حتى في مرحلة ما بعد الاستقلال وإن كان بأشكال مختلفة وإلى يومنا هذا وبات اكثر فعالية بعد سقوط نظام بشارالاسد مع السعي التركي لاحتواء النظام الجديد.

- تُقدم فرنسا دعمًا سياسيًا وعسكريًا لقوات سوريا الديمقراطية في المناطق الكوردية في سوريا، في إطار مكافحة تنظيم داعش. هذا الدعم يُثير غضب تركيا التي تعتبر قسد تهديدًا لأمنها القومي. على خلفية ما تمخض عنه الدعم الفرنسي للشعب الكوردي في جنوب كوردستان، والعلاقات الوثيقة بين فرنسا وحكومة إقليم كوردستان .

- تشارك فرنسا في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، ولها قوات خاصة متواجدة في المنطقة الكوردية من سوريا وتسعى لتطوير هذا التواجد عددا وعتادا ، ويضاف اليها ما تبذله من جهود لدعم الملف الكوردي في سوريا من توحيد موقف القوى الكوردية ودعوة الكورد الى مؤتمر باريس حول سوريا والمزمع انعقاده في منتصف الشهر الحالي .

- تُقدم فرنسا مساعدات إنسانية للاجئين السوريين في دول الجوار، وتُساهم في جهود الإغاثة داخل سوريا عبر نشاط المنظمات الانسانية الدولية .

- تُدعو فرنسا إلى حل سياسي للأزمة السورية، يُحافظ على وحدة سوريا واستقلالها، ويضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري والتركيز على حقوق الشعب الكوردي .

تركيا من جهتها تحاول الإبقاء على اتفاقية أضنة لعام 1998 التي ابرمت مع النظام البائد والتي جاءت في سياق توترات حادة بين البلدين خلال عهد الرئيس حافظ الاسد بسبب دعم سوريا لحزب العمال الكوردستاني (PKK) الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، وهي اتفاقية أمنية بالأساس بين تركيا وسوريا وقضت بشكل أساسي بطرد زعيم الحزب عبد الله اوجلان من سوريا وحظر نشاط PKK داخل سوريا . ومع ذلك، تناولت الاتفاقية بعض المسائل ذات الصلة بالحدود والأمن الحدودي، التي أصبحت فيما بعد ذات أهمية في سياق النزاع السوري الداخلي. والتدخل العسكري التركي في شمال سوريا. حيث تستند تركيا في بعض تدخلاتها العسكرية على ما تضمنته بنود الاتفاقية كمسوغ قانوني لملاحقة ما تسميهم "الإرهابيين" داخل الأراضي السورية.

- ملاحقة حزب العمال الكوردستاني PKK بعمق 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية. هذا البند أثار جدلاً واسعاً حيث يعتبر انتهاكاً للسيادة السورية.

- التعاون الأمني: نصت الاتفاقية على تعزيز التعاون الأمني بين البلدين وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمنع أي أنشطة معادية لأي من الطرفين على طول الحدود المشتركة.

- منع استخدام الأراضي للأنشطة الإرهابية: تعهدت سوريا بمنع استخدام أراضيها من قبل أي جماعات أو منظمات تعتبرها تركيا إرهابية، بما في ذلك حزب العمال الكوردستاني.

- لا يوجد ترسيم جديد للحدود: من المهم التأكيد على أن اتفاقية أضنة لم تتضمن أي ترسيم جديد للحدود بين البلدين، بل اعتمدت على الحدود القائمة كما تم ترسيمها في اتفاقيات سابقة، مثل اتفاقية أنقرة عام 1921.

- الخلاف حول الإسكندرون :لم تتناول الاتفاقية بشكل مباشر قضية الإسكندرون (هاتاي)، الذي ضمته تركيا عام 1939.

إن توقيع سوريا على الاتفاقية، التي تركز على التعاون الأمني ومنع الأنشطة المعادية، يشكل اعترافاً ضمنياً بالوضع القائم، أي بالسيادة التركية على هذه المنطقة

نقاط جدلية حول الاتفاقية:

- أن الاتفاقية لا تمنح تركيا الحق في التوغل العسكري المستمر في شمال سوريا، وأن بنودها محددة بملاحقة أفراد حزب العمال الكوردستاني بعمق 5 كيلومترات فقط.

- الظروف التي أبرمت فيها الاتفاقية قد تغيرت بشكل كبير، وأن الوضع الحالي في سوريا يتطلب اتفاقيات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة.

- بينما تُدافع فرنسا عن دعمها لقسد كقوة فاعلة في مكافحة داعش تتهم تركيا فرنسا بدعم الإرهاب، وتعدّ دعم فرنسا لقسد النقطة الأكثر توترًا في العلاقات بين البلدين ..

- ترى فرنسا منافسا لها في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يزيد من حدة التوتر بينهما واختلاف وجهات نظر الجانبين حول قضايا إقليمية أخرى.

بالتالي أية تطورات جديدة في المشهد السوري قد يدفع إلى تصاعد التوتر بين البلدين.

فسوريا المنهكة والتي تعيش مرحلة حرجة غير مستقرة تعصف بها قوى داخلية متعددة دينية وقومية ومذهبية ،الى جانب كون سوريا محور المشروع المرسوم للشرق الأوسط والذي بدأ يسير بخطوات متسارعة ، قادمة على تغيرات وتبدلات فائقة التأثير والتداعيات، وأن المؤشرات تقود بالاتجاه اللااستقرار على الاقل في المدى القريب .

فالمرجح هو تصاعد وتيرة التناقضات الفرنسية التركية وما يرافق ذلك من تكثيف الجهود من كل الجانبين لنيل الحصة الاكبر من النفوذ ، والنشاط الفرنسي المتنامي في الملف السوري على المستويين الدبلوماسي والعسكري ودعوتها لعقد المؤتمر الدولي حول سوريا في العاصمة الفرنسية منتصف الشهر الحالي .

في حين بادرت تركيا الى استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته في أنقرة التي بات ينظر إليها غربيا كبوابة عبور الإسلام المتطرف إلى سوريا وشرق المتوسط وشمال افريقيا ،وترفضها اسرائيل بصفتها القوة المسيطرة اقليميا بما تحظى به من دعم أمريكي.

لفرنسا العديد من العوامل التي تعزز موقفها في الملف السوري وتجعلها لاعبًا رئيسيًا في الملف السوري.

- فرنسا لديها علاقات دبلوماسية قوية مع العديد من الدول المؤثرة في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى .

- فرنسا تساهم بشكل كبير في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري من خلال المنظمات غير الحكومية والبرامج الدولية.

- الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية لها تأثير كبير في مناطق عدة، مما يمنحها نفوذًا إضافيًا.

- فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي لديها القدرة على التأثير على القرارات الدولية المتعلقة بسوريا

- والاهم العلاقات القوية التي تربط فرنسا بالشعب الكوردي في المنطقة والحليف الاقوى للتحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة -داعش -

ولما كان الكورد في سوريا يمثلون ثاني أكير مكون ،ويواجه تحديات كبيرة من الحكومة السورية والدول المجاورة. فمن مصلحة فرنسا دعم الكورد بالنظر الى ان :

1- فرنسا تعتبر الكورد جزءًا من المجتمع المدني الذي يسعى لتحقيق الديمقراطية والحقوق الإنسانية في سوريا.

2- دعم الكورد يمكن أن يساعد في تعزيز الاستقرار في المنطقة وتقليل التوترات الإقليمية.

3- الكورد يمكن أن يكونوا شريكًا مفيدًا في بناء مستقبل سوري مستقر ومستقل.

4- الامتداد الكوردي الى الداخل التركي وقضيته التي أرقت الحكومات التركية على الدوام.

لكن ذلك لا يبدد المخاوف الفرنسية من الاطماع التركية في سوريا تتعلق بعدة جوانب، منها:

1- تركيا تسعى لزيادة نفوذها في المنطقة من خلال دعم الفصائل المسلحة ، مما يثير مخاوف فرنسية بشأن توسع الأطماع التركية وتأثيرها على الاستقرار في سوريا.

2- دعم تركيا للفصائل المسلحة يمكن أن يؤدي إلى تصعيد النزاع وزيادة التوترات الأمنية، مما يعرقل جهود إعادة الاستقرار والبناء في سوريا.

3- دعم الفصائل المسلحة على الارض السورية، يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني وزيادة عدد اللاجئين والمهجرين خاصة لدى تركيا كما هائلا من اللاجئين السوريين .

4- تركيا تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يتعين على فرنسا التعامل معها بحذر وتحقيق التوازن بين مصالحها ومصالح الدول المجاورة

 فالعلاقة بين فرنسا وتركيا في سوريا تمثل تعقيدًا جيوسياسيًا يستند إلى تاريخ طويل من التفاعلات والمصالح المتضاربة. ومع التطورات الحالية في المنطقة، تصبح هذه العلاقة أكثر أهمية، حيث يسعى كل من البلدين إلى توسيع نفوذهما وتأمين مصالحهما. في ظل تعدد الاوراق الضاغطة لدى كلا الطرفين .

لكن الدعم الفرنسي لقوات سوريا الديمقراطية – قسد - يظل نقطة توتر رئيسية بين البلدين، في حين تستمر تركيا في السعي لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية في المنطقة استنادًا إلى اتفاقيات سابقة مثل اتفاقية أضنة. هذه التناقضات من المرجح أن تؤدي إلى تصاعد التوتر بين البلدين في المستقبل القريب، حيث تزداد المنافسة على النفوذ والأهمية الجيوسياسية لسوريا في السياق الإقليمي والدولي ، لربما يدفع الأمر بفرنسا الى استخدام الورقة الأوربية واعتماد خارطة طريق مغايرة تكون أكثر تقاطعا مع الرفض الإسرائيلي في استمرارية تركيا كقوة اقليمية مؤثرة في المنطقة .

والتطورات المقبلة، تتطلب المراقبة عن كثب ، فأي تغيير في الديناميكيات الحالية قد يكون له تأثير كبير على الأوضاع في سوريا والعلاقات بين القوى الإقليمية الفاعلة .

 

 

 

باسنيوز

Top