ماذا بعد سقوط الأسد؟
د.عرفات كرم ستوني
مستشار الرئيس بارزاني لشؤون بغداد
لا يختلف اثنان أن ما حصل في سوريا زلزال كبير، وأكثر من تضرر به نظام إيران، حيث سقط أهم معقل له، وقد عرفت سوريا بعاصمة المليشيات المسلحة والحرس الثوري الإيراني، وهو صفعة موجعة في وجه الخامنئي كما قال الصحفي اللبناني غسان شربل، وخاصة أن إسرائيل كانت تواجه عقبات من الدفاعات الجوية السورية، ويبدو أن ثمة نهاية حتمية قريبة للهلال الشيعي، حيث انهار حزب الله في لبنان، وحركة حماس قد تتخلى عن إيران كما تخلت عن بشار الأسد، وسقط الأسد، والحوثيون سينتهون قريبا، وبلغ غضبهم مما جرى في سوريا أن رفعوا صور الأسد بعد هروبه وسقوطه، وبقي المعقل المهم لإيران وهو العراق، معقل الاقتصاد الإيراني.
إن منطقة الشرق الأوسط دوما تمر بحالتين، إما استبداد وإما فوضى، فالحالة الأولى مرفوضة، والحالة الثانية طبيعية بعد زوال الأنظمة الطاغية إن استطاع عقلاء البلد إنهاء حالة الفوضى بتغليب مصلحة الوطن فوق كل شيء، سقوط الأسد خبر مفرح للشعوب السورية التي عانت كثيرا، ولكن في الوقت نفسه مخيف لأن البديل معروف توجهه الفكري فهو توجه سلفي جهادي وليس سلفيا تربويا دعويا حتى نطمئن من عدم خطورته، وأكثر من يعيش في حالة رعب حقيقية أكثر ساسة الشيعة في العراق ونظام إيران، في سنة 2011 اندلعت الثورة السورية، وبعد سنة أي سنة 2012 ظهرت جبهة النصرة بقيادة أبي محمد الجولاني، وبايعت هذه الجبهة تنظيم القاعدة، فأصبحت جبهة النصرة ممثلا شرعيا للقاعدة في سوريا، أرسل أبو بكر البغدادي رسالة إلى أبي محمد الجولاني لكي ينضم إلى جماعته، ويتحدا معا، لكن الجولاني رفض رسالته، وقد حصل قتال عنيف بين جبهة النصرة بقيادة الجولاني وتنظيم القاعدة بقيادة البغدادي، حيث قتل من الطرفين أكثر من 1700 شخص، ثم تحولت جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، فالشيعة عموما في العالم الإسلامي لا يثقون بأحمد الشرع الأفندي (أبو محمد الجولاني المعمم) لأنه كان ممثلا شرعيا للقاعدة، ولهذا نجد كثيرا من الإعلاميين والساسة العراقيين (الشيعة) ينتقدون سوريا الجديدة، وشبه بعضهم أحمد الشرع بالشيطان، ولا تزال الهجمة مستمرة عليه على سوريا الجديدة، فقد قال قيس الخزعلي في آخر لقاء له عندما قارن بيبن جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام: (نفس القائد والأدوات والكوادر) لهذا يفضلون اسم الجولاني على اسم أحمد الشرع تذكيرا بماضيه المتعلق بالقاعدة، هؤلاء لا يتخلون عن ازدواجيتهم فقد كانوا يدافعون عن بشار الأسد، وحزنوا كثيرا على سقوطه، لأنه من طائفتهم، مع أن نظامه كان يرسل المفخخات يوميا إلى العراق، لا أقول هذا دفاعا عن أحمد الشرع، ولكنني أتحدث عن الازدواجية المقززة التي يمارسها هؤلاء، سيحاول أحمد الشرع شرعنة المرحلة الجديدة والانفتاح على العالم، وهو لا يستطيع السيطرة على الوضع بالطريقة التي يعمل عليها الآن، لأن بطانته متشددة، وكم تمنى أحمد الشرع مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية (أنالينا بيربوك) بيد أنه لم يستطع خوفا من انتقادات جماعته، فالإنسان في موقع المسؤولية الواقعية يختلف عن موقع مسؤولية المراقبة والمتابعة والمشاهدة، أقول هذا لأن أحمد الشرع إنسان مثقف من عائلة مثقفة متدينة غير متطرفة كما قال السياسي الشيعي العراقي السيد عزت الشابندر، لكنه ربما عداءه لنظام الأسد دفعه للانضمام إلى تنظيم القاعدة لإسقاط نظام الأسد.
وفيما يخص إيران فقد عين أحمد الشرع عبدالرحمن فتحي (أبو صفية الكردي) من كوردستان إيران مستشاراً له لملف إيران، وهو كان تلميذ الشيخ عبد القادر التوحيدي مؤسس حركة أهل السنة والجماعة في إيران، والذي توفي في أربيل عام 2017، إيران خائفة من سوريا الجديدة، لأن الطائفة السنية عانت من الاضطهاد والتهميش والقتل والفقر من قبل نظام الأسد العلوي بدعم مفتوح ومباشر منقطع النظير من إيران، فهذه الدولة الفتية ستقف بقوة ضد كل ما له صلة بالنفوذ الإيراني، وكذلك ضد الفصائل الشيعية المسلحة (الولائية) في العراق، وهي في الوقت ستؤثر على المناطق السنية، فمعلوم أن انتصار الثورة السورية السنية ولَّد في نفوس السنة في العراق روح التمرد والثورة، ولهذا نجد تصريحات ساستهم ومواقفهم وتغريداتهم مختلفة فيها نوع من الرفعة والاعتداد بالنفس، وبدأ بعضهم بمطالبة سحب المليشيات وإطلاق سراح الأبرياء في السجون، وقام بعض شباب المحافظات الغربية برفع صور الجولاني وتعليقها على سياراتهم، وتمزيق صور نصر الله وقاسم سيلماني، ولهذا إلى الآن لم يقم العراق بمثل ما قامت به دول الخليج، بل اكتفى بإرسال وفد أمني استخباراتي برئاسة حميد الشطري رئيس جهاز المخبارات، وربما لمعرفة أحمد الشرع بتوجه الشطري الأيدولوجي استقبله وهو يحمل مسدسه تحت بدلته، وكأنه رسالة واضحة له، بينما استقبل الشرع جميع الوفود دون سلاح، فأكثر ساسة الشيعة كلهم خائفون من ولادة هذه الدولة التي ستحرك بلا شك المناطق السنية في العراق، وأكثر ساسة السنة في قرارة أنفسهم يرون سوريا الجديدة لهم بمثابة إيران لأكثر الشيعة.
صحيح أن أحمد الشرع قد صرح أنه بعد تحرير سوريا لن يصدِّر الثورة، قد يكون صادقا لكن بطانته وحاشيته وأكثرهم من الأجانب لا يرضون بذلك، فثمة 3800 مقاتل من جنسيات متعددة، مثل الإيغور، الألبان، الشيشانيين، الأوزبك، التركستانيين، والقوقازيين، والكورد، بالإضافة إلى مقاتلين من دول أخرى، فهؤلاء كانوا قوة ضاربة لهيئة تحرير الشام، فوفاء لدورهم وجهودهم وجهادهم حسب مصطلحهم الأيدولوجي سيمنحهم الجنسية السورية، وبعدها مناصب مهمة، ولقد حذر المبعوث الأمريكي دانيال روبنشتاين القيادة السورية الجديدة من هذه الخطوة، أي منح مناصب عليا عسكرية للمقاتلين الأجانب، ربما سيقوم أحمد الشرع بالانقلاب على جماعته وحاشيته بضغوطات من الغرب ودول الخليج، حتى تتحول سوريا إلى دولة مدنية معتدلة، ولكي تنال دعم دول الخليج وخاصة الدعم المالي، ولهذا ظهر بلباس مدني وخطاب عقلاني، كما يفعل الإسلاميون دوما، فالإسلاميون عموما مبدعون وبارعون قبل تسلم السلطة، وبعدها ينخر الفشل فيهم، ليس الخلل في شخصياتهم، بل في أيدلوجيتهم العالمية والأممية.
إن ساسة الشيعة وخاصة أمراء الفصائل المسلحة اختفوا فلا تسمع لهم همسا، وهم خائفون جدا، ولتأكيد الأمر لم يحضر قيس الخزعلي في الحفل التأبيني بمناسبة يوم الشهيد العراقي في ذكرى محمد باقر الحكيم يوم السبت الماضي 4-1-2025. وأكثر المحللين متفقون أن دونالد ترامب سينهي هذه الفوضى، ولن تبقى المليشيات المسلحة في المنطقة، وحتى الحشد الشعبي سيُحَل، لأن الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية أيدلوجية تابعة لطائفة معينة، ووجود بعض المكونات الأخرى في هذه المؤسسة لإضفاء الشرعية فحسب، ووفق بعض المصادر أن السيستاني موافق على حل الحشد الشعبي، وهي رغبة السوداني وبعض قيادات الشيعة المدنيين، وما يقولونه في الإعلام بخصوص رفض حل الحشد الشعبي عكس ما يقولونه في الاجتماعات الرسمية، ولقد حذر الخامنئي قادة الإطار التنسيقي من حل الحشد الشعبي، ولهذا أرسل الخامئني اسماعيل قاآني إلى بغداد لبحث هذا الملف، وفي زيارة السوداني الأخيرة لطهران للتباحث حول هذه الملفات أهمها سوريا والفصائل والحشد الشعبي، غرد الخامنئي بعد استقباله السوداني قائلا: وهذا نص تغريدته (كما تفضل السيد السوداني: فإن الحشد الشعبي يشكل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه، وتعزيزه بنحو أكبر)، بينما السوادني لم يشر في بيانه الرسمي باسم الحكومة إلى ما أشار إليه الخامنئي، وهنا أقول أي تدخل أكبر من هذا التدخل في شؤون العراق، ولو رأينا تغريدة من أي دولة كتغريدة الخامئني أو قريبا منها لأعلن ساسة الشيعة وخاصة أمراء الفصائل الحرب ضدها، ولطالبوا بقطع العلاقات معها، وحرق سفارتها كما هو دأبهم، يدرك السوداني جيدا أن إيران في موقف ضعيف جدا، ولم يبق لها تأثير كبير كما كان عهدها، والدليل أن رئيس جمهورية لبنان انتخب سريعا بعد ضعف نفوذ إيران وسقوط نظام بشار الأسد، وحضور دول الخليح وخاصة السعودية متمثلا بحضور الوفد السعودي برئاسة الأمير يزيد بن فرحان مستشار وزير الخارجية السعودي لشؤون لبنان، فقد كان منصب رئيس الجمهورية شاغرا منذ سنتين، وقبل أن يصبح السوداني رئيسا للوزراء كان قد انتقد السعودية بقسوة ووصف آل سعود بالصهاينة والتآمر، عندما قامت السعودية بإعدام الرجل الديني الشيعي نمر النمر وسبعة وأربعين شخصا معه، وقد كان المنشور موجودا، ولم يحذفه إلا بعد أن أدرك ضعف النفوذ الإيراني، وزيارته الأخيرة للسعودية، ولقاءه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خيمة عربية تحمل رسائل عديدة للمرحلة القادمة.
إيران مع كونها اعترفت بهزيمتها في المنطقة بيد أنها لن تقف مكتوفة الأيادي، ولن تقبل بهذا الوضع الصادم إن لم يكن لها موطن قدم لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، لهذا فهي تملك أدوات لزعزعة المنطقة، لكن تلك الأدوات لن تكون قوية كما كانت في السابق وخاصة أن دونالد ترامب قادم بعد أيام، وفريقه الذي شكله ساخط على نظام إيران، والوضع الداخلي في إيران هش على جميع الأصعدة، وخاصة الوضع الاقتصادي، ولهذا بدأت إيران ترسل رسائل إيجابية إلى أمريكا، آخرها رسالة تطلب تقديم المساعدة في حرائق كاليفورنيا، بينما أمراء المقاومة يرون أن حرائق كاليفورنيا عقوبة إلهية بخلاف إيران التي ترى العكس، أي عقلية هذه تصف كارثة طبيعية إنسانية بهذا الوصف الحاقد.
فيما يخص كوردستان فإن أغلبية شعب كوردستان من الطائفة السنية، ولكن في تقديري أن الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي أكبر خطر يهدد وجودنا على جميع الأصعدة، فالخلايا النائمة في كوردستان ستنتعش من جديد، وقد يجدون الدعم المباشر من سوريا الجديدة، أما إيران فإنها في موقف ضعيف هش، لذا فهي ستراقب الوضع عن كثب، وهي ستحسن علاقتها بكوردستان بعد هزيمتها في سوريا ولبنان، ولكنها ستحرك أدواتها عندما تدرك أنها خارج اللعبة، فضعف نفوذ الإسلام الشيعي وقوة نفوذ الإسلام السني قد يكون أهون علينا من ناحية انتماء أغلبية شعب كوردستان للطائفة السنية، بيد أن ذلك أيضا تهديد لوجودنا السياسي مستقبلا، لأن قبول الإسلام السياسي السني أسهل من قبول الإسلام السياسي الشيعي في كوردستان، فالأول سيكون عن قناعة، بيد أن الثاني صعب، وإن حصل وهو قليل جدا، فقد يكون لتحقيق مصلحة وليس عن قناعة فكرية.
وفي الختام أقول: نحن وعبر تاريخنا الطويل ناضلنا ونناضل من أجل قضية شعب ووطن، فلم نكن ولن نكون طرفا في أي صراع أيدولوجي في المنطقة، يهمنا شعبنا أن نحرره من الظلم والجور والطغيان والاستبداد والاستعباد والذل، ونطور بلدنا نحو الاستقرار والعمران والازدهار والسلام، وسوف يتحقق ذلك لا محالة، لأن الذي يقود هذه القافلة هو الزعيم مسعود البارزاني.