أمن الطاقة يهدد الأمن القومي في العراق
لؤي الخطيب
خلال فترة استيزاري على ملف الطاقة بين عامي 2018 - 2020، أخبرني وزير الطاقة الإيراني أنه يجب على العراق أن لا يعتمد على الجمهورية الإسلامية في تجهيز الغاز والكهرباء مستقبلاً، لأن الأوضاع ستتأزم أكثر باستمرار العقوبات على إيران وسيسهم ذلك في تقييد تطوير البنى التحتية مع زيادة الطلب المحلي في الجمهورية، وبالتالي سيصعب الإيفاء بالتزامات إيران تجاه العراق، مما قد يُهدد بعجز التجهيز الإجمالي بحدود 45% من طاقة الشبكة الوطنية.
أخذت هذه المعلومة وتوجهت بها إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب، لأن الإصلاح الجذري والحل الستراتيجي خارج صلاحيات الوزارة، للعمل على إيجاد مصادر بديلة وإن كانت أكثر كلفة من التجهيز الإيراني مقارنة بالمتوفر تجارياً وآنياً، والتوجه نحو سبل مغايرة للسياق الموروث والإسراع في تطوير حقولنا المحلية خارج ضوابط البيروقراطية المعطلة، شرط الشروع بالإصلاح الاقتصادي ومراجعة موديل العقود لمجمل قطاع الطاقة وإلغاء الدعم الحكومي على التعرفة ووقود المحطات (المحلي والمستورد) الذي يُكلف الدولة العراقية قرابة 20 مليار دولار سنوياً (بسعر السوق العالمي) وتضمينها في نظام الفوترة على المستهلك في جميع القطاعات (سكني، تجاري، صناعي، زراعي، حكومي) وفرض الجباية بقوة القانون وإلغاء جميع خطوط الاستثناء (باستثناء المستشفيات ومشاريع الإسالة وخطوط الطوارئ) ورفع جميع التجاوزات على الشبكة ووضع حد للضياعات الفنية والتجارية التي تصل إلى 55% من مجمل التجهيز، وبالتالي ضبط الطلب المحلي لترشيد الاستهلاك فعلياً بحدود معقولة دون هدر، وتحويل قطاع الطاقة من خاسر ومَنفَذ للفساد إلى رابح ومجزي استثمارياً.
جوبهت هذه الدعوة بالرفض من قبل الطبقة السياسية تبعتها الاستقالة المبكرة لحكومتنا، وبقيت الأمور على ما عليها دون تنفيذ خطة الإصلاح في البرنامج الحكومي، ولم ولن تفي أية زيادة في التجهيز وتوسعة الشبكة بدون الإلتزام بمضامين الإصلاح التي ذكرتها آنفاً - حرفياً.
لقد كتبت في هذا الباب بإسهاب قبل فترة استيزاري بسنوات ونشرت لي جامعات ومراكز البحث في هارفارد وأكسفورد وبروكنغز وحتى البنك الدولي، وقدمتها للجهات المعنية في الدولة العراقية، لكن القوى السياسية لها القول الفصل في هذا الملف ولا علاقة لملف الطاقة بأي جهة خارجية مطلقاً.
اليوم، تتصدر العناوين في إيران أزمة الوقود وشح تجهيز الطاقة بسبب وضعهم الاقتصادي الحرج واستمرار العقوبات عليهم وستتفاقم الأمور أكثر بعد تولي إدارة ترمب والشروع بسياساته التي ستؤثر سلباً على اقتصاديات الدول الريعية وأسعار النفط، وهذا سينعكس بالضرر على العراق الذي لازال معتمداً بشكل كبير على استيراد فائض الكهرباء والغاز من إيران في ظل تقلبات أسعار النفط وارتفاع كلفة صناعة الطاقة، بل حتى عقد تجهيز الغاز من تركمانستان هو الآخر مرهون بالمرور عبر خطوط النقل الإيرانية.
بالتالي ستكون الشبكة الوطنية مُهددة بالانهيار مع عدم قدرة خزينة الدولة بسد العجز المالي وتوفير الدعم على الوقود والتعرفة والصيانات في ظل النظام الاقتصادي الحالي واستمرار السياسات البليدة التي انتهجتها أغلب حكومات الدولة العراقية خشية من غضب الطبقة السياسية المتحكمة بهذا الملف لاعتبارات عدة منها أسباب انتخابية لجمهور المتجاوزين الذين تتجاوز وحداتهم أكثر من مليون وحدة سكنية وأخرى تتعلق بملف استغلال الوقود وتجهيز الطاقة والمحاصصة على العقود الحكومية و"خصومات" عقود بيع الطاقة.. الى آخره من أمور يطول شرحها ويصعب نشرها.
إنهيار الشبكة الوطنية يعني إنهيار التجهيز لقطاع السكن وتفاقم الأزمة على قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة، وبالتالي زيادة التضخم على السلع وتراجع الناتج المحلي للبلاد، مما سيقود إلى تهديد الأمن القومي والسلم الأهلي.
العراق بحاجة إلى حكومة إنقاذ وطني بمعايير عالمية تعي حجم الأزمة لتعمل بصلاحيات مطلقة خارج تأثير الأحزاب السياسية وقياداتها محدودة المعرفة في إدارة الدولة.
الوضع حرج جداً ولا يحتمل المجاملة والتسويف.. وكل عام وأنتم بخير.
روداو