• Thursday, 05 December 2024
logo

العراق أمام وطأة الأحداث السورية

العراق أمام وطأة الأحداث السورية

شيروان الشميراني

 

على عجل وبدون تردد أو تفكير دخل مجمل مفاصل الدولة العراقية في حالة من القلق والتوتر، تخوفاً من الأحداث التي عادت تعصف بسوريا من جديد، القلق العراقي متعلق بسنة 2014 عندما دخل الالاف من المسلحين قادمين من سوريا وعابرين الحدود الى الأراضي العراقية، وقد سقطت المدن بالتوالي وانهار الجيش العراقي، تحت وطأة هذه الذكريات تحركت عشرات الالاف من الجنود والحشد الشعبي المكون من الفصائل الشيعية، بغاية إحكام السيطرة على الحدود وغلقها.

معروف أن العراق مع الرئيس السوري داعم له، فسوريا الأسد والعراق الشيعي على خط واحد في السياسة الإقليمية والتصدي لخطر المسلحين، رئيس الحكومة اتصل في اليوم الأول بالرئيس السوري وأبدى إستعداده للدعم والتعاون، كما نسق مع الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان وهو موقف أكده وزير الخارجية فؤاد حسين.

كما أن المئات من المسلحين من المجموعات التي قاتلت الى جانب الحكومة السورية منذ 2011 موجودون في منطقة "البوكمال" داخل الأراضي السورية، والحبل الرابط بين الطرفين لم ينقطع، ما يعني ان العراق مع بقاء الأسد في الحكم وإن كان هو التوأم للنظام البعثي الذي يرى فيه الشيعة في العراق العدو المزمن، فالمقولة التي تتردد داخل أروقة الاطار الشيعي الحاكم عن النظام السوري هي: "لا يسقط، ولماذا يسقط؟" فهناك أسس إذن تحكم العلاقة بين البلدين، أو بتعبير أدق بين النظامين الحاكمين، وهو المحور الجامع بينهما وبين إيران وحزب الله واليمن، هذا الإطار الرابط الجامع يدفع بكل طرف الى الوقوف بجانب الأطراف الأخرى بشكل طبيعي، ولو أن النظام السوري التزم الصمت العملي تجاه كل الإبتلاءات التي نزلت على حزب الله الذي سال دماء أعضائه دفاعاً عنه وبالضد من المعارضة المسلحة.

السبب الثاني الذي يجعل العراق يعاني تحت وطأة الحرب داخل سوريا، هو: أن الأمن العراقي هشّ، والقوات الأمنية مازالت غير قادرة على ضبط الأمن الداخلي، ومازال الجيش العراقي بحاجة على الأقل الى الدعم الجوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبما أن العداء مجاهر به بين الحاكمين في العراق وبين المجموعات التي تخوض الحرب ضد نظام الأسد، وكان العراق وقع تحت سيطرة أصدقاء وزملاء هؤلاء لثلاث سنوات كاملة، فالخوف يمتلك العراقيين الحاكمين، هذا الخوف من تدهور الوضع الأمني مرة أخرى هو الدافع للقلق العراقي، ينضاف إليه الخلاف الفكري الواضح بينهما.

لكن الوقوف العراقي الى جانب الأسد، لن يكون من دون ثمن إذا اشتد الأمر، أي أن الحال الآن غير حال 2011، في ذلك الوقت لم يكن الوضع في الشرق الأوسط كما هو الآن، ولم يكن هناك طوفان الأقصى والسابع من أكتوبر، ولم تكن هذه الحرب التي تخطت كل الحدود، تخطت حتى الحدود التي رسمت للحفاظ على حق الحيوان في الحياة، فلا يمكن النظر الى التدخل العراقي الان على انه هو على ذات صورة ما حدث في العقد الماضي، لأن المرجح أن الانعكاس هذه المرة يكون مباشراً على الوضع العراقي.

على مستوى النخبة، المواقف لم تكن ولن تكون واحدة، فهي تأتي على خلفيات متعددة، منها:

1- طائفية، وهذا السبب الكامن وراء مساندة الدولة العراقية ومن يملكها سورية أكثر إثباتاً من الحاجة الى الدليل. والذين أيضا يرون في النظام الحاكم في دمشق ضلعاً من أضلاع القوى التي يعانون منها طيلة عشرين سنة كاملة، كما أن للبعد المذهبي حضوره في هذا الجانب.

2- فكرية، بين الديمقراطية والدكتاتورية، فمن يرى في الرجل الحاكم المستبد القامع لكل صوت حرّ، الذي يمثل جزءاً من بقية إرهاب الدولة في المنطقة، يتمنون زواله ليتمكن الشعب على الأقل من الحركة بحرية مثل العراقيين، لكن الطرف الآخر يرى الأمور من منظار مختلف، فبشار يحكم دولة وشعباً لا يعنينا، إنه لا يحكمنا، القضية بينه وبين شعبه، لكن هؤلاء الذي يخوضون الحرب ضدّه الآن فهم على العكس هم تكفيريون يرون فينا عدوّاً، ويصلنا شرّهم، فالمفاضلة بينهما هو بين شرّ معدي وشرِّ محدود، لكن هؤلاء لا يسألون أنفسهم عن هجرتهم هم الى دول عربية وإسلامية وغربية طالبين العون لإسقاط نظام البعث العراقي مع أن البعث لم يكن يحكم شعوب تلك الدول!. حزب البعث لم يكن يحكم الولايات المتحدة الاميركية ولم يكن قادته ساكنون في البيت الأبيض، ولا كان الرئيس العراقي هو رئيس الوزراء البريطاني، ولا كان هو الرئيس التركي، بل لم يكن حتى حاكماً لإيران التي دفعت بكل قواها حتى بعد وقف الحرب الكارثية التي فتحت الباب لكل ما يحدث الآن في الشرق الأوسط، وما كان احتلال الكويت سوى نتيجة من نتائج تلك الحرب بين طهران وبغداد. لكن تلك الدول كانت تنطلق منها المعارضة العراقية وبدعم منها لضرب العراق في نظامه واقتصاده، هؤلاء، كانوا يلومون ومازال، الدول التي لم تساعدهم في حربهم ضد الطغيان البعثي، وفي ذات يأخذون موقفاً مغايراً معاكساً تجاه بعث سوريا.

3- الخلفية الثالثة، هي أمنية، أي أن العراق بدأ يتعافى من المصائب والبلايا التي نزلت به خلال العشرية السابقة، فلا يمكن لا للدولة ولا للمجموعات المسلحة تحت أية لافتة كانت، توريطه في حرب جديدة هي ليست حربه، فالجراح الأهلية مازالت متعفنة لم تنظف، كما أن العراق غير قادر على المشاركة حتى غير المباشرة في نزاع مسلح خارج حدوده، فمن الأفضل له معالجة تلك الجروحات الأهلية التي تتشكل منها ثقوب تتسلل منها الأعداء إلى داخل الجسم المريض، الجسم الذي يئن تحت وطأة الحروب.

 

 

 

روداو

Top