• Sunday, 27 October 2024
logo

مدرسة البارزاني: توازن نيجيرفان وعزم مسرور

مدرسة البارزاني: توازن نيجيرفان وعزم مسرور

د.محمد العرب

 

في المشهد السياسي الراهن لكوردستان، يبرز اسمان بارزان يتصدران القيادة ويجذبان انتباه المنطقة بأسرها: نيجيرفان بارزاني، رئيس الإقليم، ومسرور بارزاني، رئيس وزراء الإقليم.

كلاهما ينتميان إلى عائلة بارزاني العريقة وكلاهما نتاج مدرسة الزعيم التأريخي للكورد وسيد الجبال مسعود بارزاني، ولهما تاريخ طويل في النضال السياسي، ولكنهما يمثلان مدرستين قياديتين مختلفتين في منهجهما، مما يضع الراصد الفاحص أمام خيار التأرجح بين هذين النهجين المختلفين في أسلوب القيادة والرؤية للمستقبل، التأرجح هنا على صعيد الرصد والتحليل.

نيجيرفان بارزاني يُعرف بنهجه التوازني الذي يقوم على بناء العلاقات المتينة مع القوى الإقليمية والدولية، من خلال دبلوماسيته الهادئة، استطاع نيجيرفان أن يثبت نفسه كشخصية قيادية تحظى بالاحترام على مستوى المنطقة والعالم، وهو يركز بشكل أساسي على تعزيز استقرار الإقليم، وجعل كوردستان لاعباً محورياً في الساحة الإقليمية عبر تقوية العلاقات مع دول الجوار مثل تركيا وإيران، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على علاقات متينة مع الولايات المتحدة وأوروبا.

نيجيرفان يؤمن بأن الحوار والدبلوماسية هما السبيل لتحقيق التنمية المستدامة، ولذلك نجده يركز على بناء جسور التواصل مع الأطراف المختلفة، سواء في بغداد أو في العواصم الإقليمية، سياسته مبنية على الواقعية والتوازن، حيث يسعى للحفاظ على التعايش السلمي بين مختلف المكونات القومية والدينية داخل الإقليم وخارجه وهذه الاستراتيجية جعلته حليفاً موثوقاً لأطراف متعددة، وتمكن من حماية مكتسبات الإقليم وسط اضطرابات المنطقة.

من جهة أخرى، نجد مسرور بارزاني يتبنى أسلوباً مختلفاً في القيادة، يتميز بالحزم والاعتماد على الذات. كرئيس للوزراء، يركز مسرور على تعزيز البنية التحتية للإقليم وتحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً وأمنياً ويرى مسرور أن الاعتماد المفرط على القوى الخارجية قد يكون خطيراً، ولذلك يضع ضمن أولوياته تطوير القدرات الذاتية للإقليم في مجالات مثل الطاقة، الاقتصاد، والتكنولوجيا.

أسلوب مسرور يقوم على استثمار الموارد المحلية وتنمية الكفاءات الداخلية لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، ومن هنا جاء تركيزه الكبير على تطوير قطاع النفط والغاز في الإقليم، مع تعزيز استثمارات الطاقة المتجددة لجعل كوردستان نموذجاً في الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة. كما يولي مسرور اهتماماً كبيراً بتعزيز البنية التحتية الأمنية للإقليم، لضمان قدرته على التصدي للتحديات الداخلية والخارجية بفعالية.

إلى جانب ذلك، فإن نهج مسرور يحمل في طياته بعداً استراتيجياً طويل المدى، حيث يركز على بناء مؤسسات قوية ومستقلة تستطيع الصمود في وجه التحديات المستقبلية 

بالنسبة للراصد  الخبير الذي يتابع الوضع في كوردستان، قد يبدو التأرجح بين منهج نيجيرفان ومدرسة مسرور أمراً طبيعياً، نيجيرفان يمثل الوجه الدبلوماسي المرن الذي يسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع الجميع، وهو منهج مألوف لدى العديد من قادة العالم الذين يدركون أهمية الحفاظ على التوازن في علاقاتهم مع القوى الكبرى، أما مسرور فيمثل القيادي الحازم الذي يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلالية، وهو ما يثير اهتمام العديد من الدول التي تتطلع إلى تقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز الأمن الاقتصادي.

الاختلاف بين نيجيرفان ومسرور ليس صراعاً، بل هو تكامل بين أسلوبين مختلفين يسعيان لتحقيق الهدف نفسه: استقرار وتقدم إقليم كوردستان.

الأول يعتمد على الدبلوماسية والسياسة الناعمة، والثاني يركز على القوة الداخلية والتنمية الاقتصادية، وكلا النهجين لهما نقاط قوة، وكلاهما يساهم في تعزيز موقع كوردستان في المنطقة والعالم.

شخصياً اعتقد أن الراصد لمنهج نيجيرفان وأسلوب مسرور يرى تعددية الرؤى القيادية داخل إقليم كوردستان، وهذا يمثل ديناميكية صحية في الساحة السياسية الكوردية، قد يمثل هذا الأسلوب وهو القيادة برأسين فرصة للتعلم من تنوع الأساليب والقدرة على التكيف مع التحديات المختلفة والتكامل الصحيح، سواء أكانت الدبلوماسية التوازنية لنيجيرفان أو الحزم الاقتصادي والسياسي لمسرور، فإن كلاهما يضعان كوردستان في موقع استراتيجي متقدم يليق بها وبنضال الكورد ، وهو درس ينبغي الاستفادة منه في تعزيز استقرار وتقدم المنطقة ككل.

 

 

 

كوردستان24

Top