• Friday, 27 September 2024
logo

ديانة الحوت الشيوعي

ديانة الحوت الشيوعي

مصطفى عبدالوهاب العيسى

 

وصلت الصين وهي في طريقها لكسر الهيمنة الأمريكية عالمياً إلى الخطوات الأخيرة في هذه الرحلة الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود رفقة روسيا ، وبالأرقام وفي شتى المجالات فإن الوصول لمرحلة القطب الشرقي الموازي بالقوة للقطب الغربي مسألة وقت فقط ، وما تنجزه الصين اليوم عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وفي جميع المجالات حتى الرياضية والعلمية والثقافية يراه البعض عائداً للاقتصاد القوي الذي يستحيل أن تحصر أسباب نجاحه وتفوقه مقالات عديدة ، ولهذا أردت الإضاءة في هذا المقال على سبب واحد من الأسباب الكثيرة التي لم يتداولها الإعلام ، ولم تتناولها البحوث والدراسات المختصة بالاقتصاد الصيني ، وهذا السبب هو ديانة الحوت الشيوعي التي ضبطت الداخل الصيني بشدة وحزم وأبعدت بشكل صارم المختلفين معها قبل التمدد للخارج ومحاولة الهيمنة الاقتصادية عن طريق إغراق السوق بالبضائع والديون وطرق الحرير .

لا تعتمد الصين على الديانات السماوية ولا غير السماوية ، ومن الإجحاف القول بأن الديانة الصينية تعتمد على بعض المبادئ المختلطة من الكونفوشيوسية والطاوية وغيرها ، وفي نفس الوقت فإن الصورة النمطية للشيوعي الصيني وتبنيه للإلحاد تعتبر خطأً شائعاً .

يعمد الشيوعي الصيني اليوم إلى تطوير ما تم خلقه من براغماتية صينية لدى الشيوعيين لتصبح ديناً صينياً جديداً يُعمق الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه الصين من جهة ، ويسد الاحتياجات الروحية التي كان يعاني منها الشيوعي الصيني وتسبب له ضعفاً في منظومته وهيكليته الصلبة من جهة أخرى ، ولتطوير هذا الدين وخلق البيئة المناسبة لقبوله لدى الشعب الصيني كان لا بد من ضرب استقرار وانتشار جميع الأديان في الصين ( وخاصة البوذية والمسيحية والإسلام ) بالقوتين الخشنة والناعمة ، ولا يمكن طبعاً حصر كل السياسات والخطط المتبعة تجاه الأديان في الصين ، ولكن كان أهمها السماح بإنشاء معاهد ومدارس وكنائس مسيحية بتبعية شيوعية تهدف برامجها وأجنداتها إلى زرع أفكار استقلالية للمسيحية الصينية عن المسيحية حول العالم ، وتخفيف التدين المسيحي والإيمان بالرموز كالصليب وغيره ، والتضييق الشديد على الكنائس القديمة والضغط على رجال الدين المسيحي غير المتعاونين مع الشيوعي ، وإغلاق الكنائس ومنع التجمعات بهدف خلق الفراغ الروحي لدى أتباع هذه الكنائس تدريجياً وتوجيههم للكنائس التي تعمل مع توافقات الحكومة ، وبالنسبة للإسلام فإن السياسة الأكثر شهرة هي خلق وتعميق التناقض العقائدي لدى الأقليات المسلمة ( الإويغور ، الخوي ، الأوتسول .. الخ ) بما يضمن الخلافات الدائمة مستقبلاً ، وذلك بسبب صعوبة استمرار القوة الخشنة في بعض الأحيان التي تؤدي لخسائر اقتصادية بمقاطعة الكثير من المسلمين وبعض البلدان حول العالم للبضائع الصينية نتيجة هذه الممارسات ، وإضافة لما سبق هناك سياسات تُستخدم مع جميع الأديان مثل العمل على خلق الطابع الصيني الخاص لكل الديانات بشكل يضمن إخضاع كل الديانات لنمط الدين الصيني الجديد بشكل كامل ( إسلام صيني ، مسيحية صينية ، .. الخ ) ، أو الإبادة الثقافية للديانات كأخطر السياسات في طمس هوية الأديان نهائياً وتغييرها عن طريق تغيير المناهج الدينية للديانات ، وتدمير كل ما تملكه من رموز وآثار وأماكن دينية بخطط ممنهجة ومدروسة لإحلال البدائل التي تتفق مع الدين الصيني الجديد .

وبعيداً عن كل ما سبق من سياسات وخطط فإن هناك سياسة دائمة تتمثل بتطهير الحزب الشيوعي ممن يثبت إيمانه بأي ديانة غير الصينية بشكل مستمر ، وذلك عن طريق حملات تأخذ أشكالاً مختلفة كحملات محاربة الفساد مثلاً ( النمور والذباب ) ، والضرب بالقوة الخشنة عند الاستشعار بأي خطر غير آبهين بردة فعل المجتمع الدولي أو استنكاره أو حتى الخسارات الاقتصادية ( كما حصل في السابق من ضرب للمسيحية أو الأقليات المسلمة أو حركات البوذيين في التيبت ) .

آخر ما يمكن أن نختم به سياسات هذا النهج الصيني هو سياسة عدم التضييق على يهود كايفنغ أو اليهودية بشكل عام لأن أعدادهم لا تتجاوز بضعة آلاف ولن يشكلوا خطراً على ديانة السياسة الصينية مستقبلاً ، وإضافة إلى أن ضربهم أو التضييق عليهم سيخلق مشاكل أكبر من المشاكل التي يتعرض لها الشيوعي الصيني عند ضرب المسيحيين أو البوذيين أو المسلمين .

الديانة الصينية بطبيعة الحال ليست ديانة تبشيرية ، ولا تؤمن بالحياة والبعث بعد الموت ، وإن لم يكن لها كتاباً مقدساً فإن لها مبادئً وأسساً لتوجيه عشرات الملايين من أتباعها ، ولو لم تملك الأنبياء والرسل فإنها تملك رموزاً ومعتقداً يعبر عن هويتها ويوجه سلوك أتباعها ، ورغم عدم وجود ممارسات وطقوس كالصلاة والصوم في منهجها إلا أن أتباعها يؤمنون بها بقوة تعطيهم الطاقات الروحية اللازمة .

 

 

 

كوردستان24

Top