• Sunday, 22 December 2024
logo

مسعود البارزاني: حاملُ راية استقلال كوردستان

مسعود البارزاني: حاملُ راية استقلال كوردستان

د. شيماء محمد ظاهر ريكاني

زعيم كوردستان بلا منازع، حامل راية الاستقلال و تخليص الكوردستانيين من التبعية، المحارب الذي لم يفقد الأمل يوماً في تحقيق الهدف المنشود رغم كثرة المصاعب والآلام التي حلت به شخصياً و حلت بشعبه في سبيل تحقيق هذا الهدف، إنه الزعيم مسعود البارزاني سليل العائلة التي حملت هموم الكوردستانيين ووقفت ضد أنظمة استخدمت كافة قواتها و جبروتها في سبيل إنهائها، راية الاستقلال التي بدأت من مشيخة بارزان ومن الشيخ عبدالسلام البازاني منذ 1908 إلى الآن مستمرة، واستطاعت أن تغيير سياسات الحكومات التي اضطرت خاضعة أمام إيمان هذه العائلة بحقوق شعب كوردستان إلى أن تعترف بحقوقه المشروعة.

ولد مسعود البارزاني في 16 آب 1946 في مدينة مهاباد عاصمة كوردستان، أول جمورية في تاريخ الكورد الحديث والمعاصر، ولد في ظل حكم وراية كوردستان، ويبدو أن هذا أثر فيه إضافة إلى إرث والده الملا مصطفى البارزاني قائد الحركة التحررية، في أن يقضي حياته في سبيل إبقاء هذه الراية عالية تعانق السماء.

بسبب قيادة والده للحركة التحررية الكوردستانية وعدم رضوخه لحكومة بغداد التي استخدمت كافة قواتها البرية والجوية واحرقت الأخضر والبابس دون أن تفرق بين المدنيين العزل والمحاربيين الكورد اضطر إلى مغادرة جنوب كوردستان مؤقتاً متجهاً إلى شرق كوردستان في 1945 التي كانت تعيش في بدايات تشكيل جمهوريتها، فيما بعد أصبح الملا مصطفى البارزاني أحد دعائم هذه الجمهورية، بعد مرور عام على إعلانها، وبسبب ظروفٍ داخلية ودولية سقطت جمهورية كوردستان في كانون الأول 1947. رفض الجنرال البارزاني أن يسلم نفسه إلى القوات الإيرانية واختار أن يواجه المجهول والتوجه نحو الاتحاد السوفيتي التي بقى فيها حتى رجوعه إلى العراق في السادس من تشرين الأول عام 1958، في هذه الفترة حرم الرئيس مسعود البارزاني من رؤية والده حتى بلغ 10 سنوات من عمره.

بعد فترة من الهدوء واعتراف عبدالكريم قاسم قائد ثورة 14 تموز1958، التي غيرت نظام حكم في العراق من الملكي إلى الجمهوري، بحقوق الكورد لم تتجاوز سنتان، انكرت بغداد مرة أخرى حقوق الكورد المشروعة ما دفع بالملا المصطفى البارزاني إلى قيام و قيادة ثورة أيلول (1961-1975) التي كان من أهم انجازاتها اعتراف العراق بالحكم الذاتي للكورد في آذار 1970، الدور العسكري والسياسي للرئيس مسعود البارزاني بدأ خلال هذه المدة، حيث أصبح بيشمركة في عام 1962 و هو لم يتجاوز الـ 16 من عمره، بعد ذلك أصبح من المؤسسين لجهاز (الباراستن) عام 1967، إضافة أنه كان عضواً للوفد الكوردي المفاوض في بغداد بشان الحكم الذاتي.

بعد وفاة والده عام 1979 تسلم قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكبر وأهم وأقدم الأحزاب الكوردستانية حتى الآن، في ظروف صعبة واستثنائية،حيث كانوا في المنفى نتيجة لمعاهدة الجزائر 1975 التي عقدت بهدف القضاء على الثورة الكوردية، إلا أنه استطاع بشجاعة و صبر وحكمة أن يتجاوز هذه الفترة العصيبة، فبدأ بمساندة أخيه الأكبر المرحوم إدريس البارزاني في توحيد صفوف حزبه ثم التفرغ في دراسة الجانب العسكري وضرورة القيام بعمليات عسكرية داخل جنوب كوردستان ضد الحكومة العراقية، و ترأس هذا الجانب شخصياً، فبدأ بتشكيل اللجان العسكرية واسندت المهمات إلى قادة ميدانيين في كوردستان.

يؤمن الرئيس مسعود البارزاني بأن توحيد الكورد ضروري و هو أقوى سلاح قد يمتلكه هذا الشعب ضد الحكومات التي تحتل أرض كوردستان، لذلك طوال فترة قيادته للحزب الديمقراطي عمل على توحيد الصف الكوردي، حيث يعتبر من المؤسسين للجبهة الكوردستانية 1987-1992 التي جمعت جميع الأحزاب الكوردستانية، واستطاع قيادة الجبهة التي شاركت مع شعب كوردستان في الانتفاضة التي بدأت في الخامس من آذار 1990 في مدينة رانية واستمرت حتى تحرير آخر المدن من السيطرة العراقية، كركوك قلب كوردستان في 21 آذار من العام ذاته.

ثمرة النضال التي امتدت منذ عقود في جنوب كوردستان أثمرت عن ولادة إقليم كوردستان -العراق، الذي جرت فيه الانتخابات التشريعية وتم الإعلان عن أولى الحكومات الكوردستانية، واستطاع أطفالنا أن يفتخروا في الصباح في ساحات المدارس بإلقاء النشيد الوطني الكوردستاني وتحت راية كوردستان بعدما كانوا مجبريين على الوقوف في سماع النشيد الوطني العراقي وتحت راية غير رايتهم، إلا أن هذه الفترة لم تخل من تدخلات خارجية من قبل دول و قوى اعتبرت وجود إقليم كوردستان خطر يهدد أنظمتها، فبدأت بتشجيع و تأجيج الصراعات الداخلية التي للأسف أدت إلى اندلاع حرب داخلية كان الكورد هم الخاسرون الوحيدون فيها، هذه الفترة التي ما إن انتهت حتى أقسم الرئيس مسعود البارزاني بأنه مهما حصل لن يسمح مرة أخرى باندلاع (صراع الإخوة) بين الكورد أنفسهم، و رغم حصول تطورات وخيانات فيما بعد في كوردستان، قام بها بعض الأشخاص لولا هذه الحكمة، لاندلعت هذه الصراعات.

انتخب مسعود البارزاني في الثاني عشر من حزيران 2005 كأول رئيس لإقليم كوردستان من قبل برلمان كوردستان، وفي الخامس والعشرين من تموز 2009 وفي انخابات مباشرة انتخب من قبل شعب كوردستان رئيساً لإقليم كوردستان حاصلاً على 70% من أصوات المشاركين، مثل الكوردستانيين في كثير من المحافل الدولية وأصبح ومضة أمل لهذا الشعب الذي أصبح يجد فيه حلمه في الاستقلال في جميع أجزاء كوردستان، فأينما تواجد كان يستقبل استقبالاً حافلاً من قبل هذا الشعب سواء قي قامشلو أو في دياربكر (آمد).

ما يميز الرئيس البارزاني والذي اكتسب هذه الصفة عن والده الملا مصطفى البارزاني، هو إيمانه بعدالة قضية شعبه وبأنه مهما طال الزمن لا بد لليل أن ينجلي وللقيد أن ينكسر، وضحى بحياته في سبيل تحقيق هذا الهدف، لذلك لا يسغرب بأنه صاحب فكرة إجراء استفتاء إقليم كوردستان، فأجمع الكوردستانيين مرة أخرى تحت راية كوردستان في تجمعات شارك فيها مئات الألوف في المدن الكوردستانية، فشاهدنا الرئيس وهو يخاطبهم بروح قومية عالية قل وجودها في هذا الزمن، ولعل تلك الأيام كانت الأروع في حياة البارزاني الذي كان يبدو على سماه الفخر والاعتزاز بشعبه، هذا الاستفتاء الذي يعتبر أهم إنجازات الكورد تأريخياً حتى الآن، وقد لا يفهم أهميته للأسف بعض الكورد الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، هذا الاستفتاء جرى في عموم الأراضي الكوردستانية من خانقين إلى زاخو وحصل على أصوات 92% من الكوردستانيين الذين أيدوا الاستقلال.

من الانجازات المهمة الأخرى التي تحسب للرئيس مسعود البارزاني هي أنه لم يفرق أبداً بين الكوردستانيين في الأجزاء الأخرى من كوردستان، فكان رغم الصعوبات التي كانت تفرض عليه الحكومات التي تحكم هذه الأجزاء، خير داعم لهم، و مثالٌ على ذلك إرساله لقوات البيشمركة إلى مدينة كوباني في غرب كوردستان في 2014 عندما كانت محاصرة من قبل الدواعش. مرور هذه القوات أثناء توجهها إلى كوباني من شمال كوردستان، أثر في معنويات الكورد بجميع أجزاء كوردستان.

يجمع أعداء مسعود البارزاني وأصدقائه على أنه يمتلك كاريزما و صفات قلما وجدت في زعيم سياسي، فهو صادق إلى أبعد الحدود و صريح في طرح ما يؤمن به، ويعلنها للملأ، حتى وإن كانت تضره هذه الصراحة، وهو يفي بوعده عندما يوعد، يسامح وهو في أوج قوته، وخير دليل على ذلك أثناء ثورة كولان والانتفاضة وحتى في حروب الدواعش كان يصدر أوامره إلى قاداته العسكريين بعدم المساس بأي أسرى ومعاملتهم خير معاملة، وكثيراً ما كان بعد انتهاء المعارك العسكرية خاصة بين الجيش العراقي والبشمركة، يطلق سراح الأسرى، وهو شخصياً كان يشرف على هذا الأمر، وأيضاً يوصي في المعارك بعدم المساس بالمدنيين و مصالحم حتى وإن أدى ذلك إلى عدم تحقيق الأهداف المرجوة، عكس ما يحدث للأسف في الحروب التي تواجهها شعوب الشرق الأوسط الآن.

يعرف البارزاني بأنه ذلك المحارب الذي يؤمن بقوة شعبه و حقه في أن يكون حراً و سيداً لنفسه.

 

 

 

كوردستان 24

Top