• Monday, 29 July 2024
logo

ماذا لو صفق الجمهور

ماذا لو صفق الجمهور

معد فياض

 

سألني هلكوت مصطفى، مخرج فيلم "اخفاء صدام حسين" عن سبب عدم موافقة وزارة الثقافة الاتحادية حتى الان على عدم عرض فيلمه في بغداد وبقية المدن العراقية، وقال: "هل تعتقد ان بغداد ستوافق على عرض الفيلم".

حسب اعتقادي ان على وزارة الثقافة الاتحادية والمسؤولين في بغداد ان يوافقوا بلا تردد على عرض الفيلم بعد ان تم عرضه الاسبوع الماضي جماهيريا، في صالات اقليم كوردستان: اربيل والسليمانية ودهوك، اضافة الى عرضه في غالبية الدول العربية ودول غربية. فمن حق العراقيين ان يعرفوا كيف امضى رئيسهم الاسبق، الذي كانوا يخشون بطشه وبطش نظامه، صدام حسين آخر 235 يوماً من حياته قبل ان تلقي القوات الاميركية القبض عليه، حيث امضى هذه الايام بائسا يائسا خائفا وفي ظروف حياتية تعيسة للغاية، بعد ان كان قد اقترف ابشع الجرائم بحق جميع العراقيين بلا تمييز.

وزارة الثقافة الاتحادية كانت قد ارسلت بعض المتخصصين وعلى رأسهم مدير عام دائرة السينما والمسرح ونقيب الفنانين العراقيين جبار جودي لمشاهدة الفيلم خلال افتتاحه الرسمي في اربيل لتكوين فكرة وابلاغ الوزارة برأيهم فيما يخص عرضه من عدمه في باقي المحافظات العراقية.

وحسب جودي فإن "هنالك بعض الالتباسات الفكرية التي جاء بها الفيلم، وهنالك حاجة للمراجعة والمناقشة، وسنخرج بنتيجة سواء سلباً او ايجاباً فهو متروك للخيار الجماعي للجنة". وان "الموضوع خاضع للمناقشة، وسيكون هنالك اجتماع موسع في بغداد للنظر في هذا الموضوع". وهذا يعني ان رأي اللجنة التي جاءت الى اربيل وشاهدت الفيلم هي ليست صاحبة الرأي الاخير في هذا الموضوع، وهذا يعني ان هناك جهات اخر، ربما امنية وسياسية ستشارك باتخاذ القرار النهائي.

هلكوت مصطفى كان دقيقا عندما سألني عن ما تخشاه بغداد من الفيلم، اجبته مباشرة، هناك من يخاف او يخشى ان يصفق قسم من الجمهور لصدام حسين، او في الاقل لمن جسد دور صدام حسين، او يظهر تعاطفه معه لاسيما وان الفيلم لا يدين ولا يتعاطف مع صدام. او على العكس من ذلك فقد يستفز الجمهور ويشتمون صدام علنا.

ذكرني هذا الموقف بفيلم "الايام الطويلة" الذي انتج عام 1980 عن سيرة صدام حسين، رواية بنفس الاسم للكاتب الراحل عبد الامير معلة واخراج الفنان المصري توفيق صالح. الفيلم تناول قصة محاولة بعض البعثيين، بينهم صدام حسين، اغتيال عبد الكريم قاسم في حادثة معروفة وسط شارع الرشيد عام 1959، وكان المخرج قد اختار الممثل حسن حنيص ليلعب دور قاسم لقرب الشبه به، وبعد تصوير مشاهد الفيلم تم حذف دور حنيص (قاسم)، عندما سالت المخرج وقتذاك، وكان يدرسنا في اكاديمية الفنون الجميلة، قال ان صدام حسين أمر بحذف مشاهد عبد الكريم قاسم خشية ان يصفق له الجمهور عند عرض الفيلم، وسالنا بالحرف الواحد "ماذا ستفعلون لو صفق الناس لعبد الكريم قاسم في السينما؟". ويبدو ان هذه الخشية ذاتها التي فكر بها المسؤول في بغداد في حالة عرض فيلم (اخفاء صدام حسين)، والسؤال هنا يتكرر ولكن بأثر رجعي: ماذا سيفعلون لو صفق الناس لصدام حسين؟.

المسؤولون الكورد لا يخشون هذه "الالتباسات الفكرية"، ولا يخشون سواء تعاطف الجمهور ام ادانوا صدام حسين في الفيلم، لاسيما وان الجمهور هنا متنوع: كورد وعرب وتركمان وسنة وشيعة وغير مسلمين، شيوعيين وبعثيين سابقين وقوميين وكورد متضررين من سياسات النظام السابق، وكان من الممكن ان يصفق احدهم لصدام او يشتمه علنا، وهذا لم يحدث، لكن الاهم ان المسؤولين الكورد وافقوا على عرض الفيلم وبدعم اعلامي كبير من قبل شبكة رووداو، بلا عقد مسبقة وبلا خشية، ذلك لان الفيلم يتحدث عن احداث تاريخية لا علاقة لها بالسياسة ولا تحتمل التأويل، بل تناول قصة علاء نامق الذي اخفى صدام بدون ان ينحاز المخرج، هلكوت مصطفى لأي جانب وقد اعلن مسبقا بانه ليس سياسيا والفيلم لا علاقة له بالسياسة.

 

 

 

روداو

Top