التوريط المتبادل
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
استبعادا لعوامل الانهاء الخارجي، فأن عوامل الانهيار الذاتي لأي نظام سياسي عوامل متاحة و ممكنة، وهي اشبه بأستعداد الفرد للتفكير بإيذاء نفسه و تنفيذ الفكرة كأن تكون انهاء حياته بالانتحار. وقد تجتمع الاثنتان العوامل الخارجية و الداخلية.
طور الانسان العلاقة الاجتماعية و عمّقها ليخلق ممارسة السلطة و الحكم، و وضع من ضمن ما وضع في مسعاه الطويل تاريخيا المُثُل التي تقدم المصلحة و تتجنب تعمد الخسارة مستخدما طاقاته للتعبير عن صواب مشروعه و نجاح اختياره افضل الوسائل المتاحة كل زمن بزمنه و المتوافر فيه من إمكانات.
لضمان الايفاء و ديمومة العلاقة المتبادلة بين الحكم و رعاياه كانت الاعراف و المستقر عليه من تصالحات اجتماعية خارج فكرة التوثيق المكتوب بعد ان كانت قبل ذلك محفوظة من خلال التعاملات و التقاليد، ثم و بعد تجارب كثيرة استهلكها عمر المجتمعات و استهلكته، تحركت الانسانية المنتظمة الحراك لتدستر لنفسها لوائح تلزم بيها كيانها السياسي بواجبات و حقوق، حيث انبت الصراع على اتساعه و تعدد اجنحة قواه تغيرا و شكا في المفاهمي و تبدل مدلولاتها، وادركت اكثر الدول متمثلة بسلطاتها و منها السلطات الشعبية المدركة لفهم قوتها في التغيير، ادركوا مجتمعين المعنى الحقيقي لطبيعة العلاقة المنتجة و طبيعة مضمونها الواقعي لادارة ناجحة للسلطة و اين تركز قوتها في تتفيذ حاجات المجتمع.
لا يمكن تصور مجتمع واضح الازمات متجذر المشاكل الا و زحف تصور اداء سلطاته لتكون هي انعكاسا مختصرا متصلا بقاعدة المجتمع، و العكس ايضا اذا لا تعكس السلطة اداء واضح التأثير في المنجزات المعتد بها الا اذا كانت تعكس حيوية مجتمعية معتدا بها.
ان المجتمعات كانت و تبقى - وهذه طبيعة بشرية- بحاجة لمُثُل اخلاقية واقعية غير مصطنعة تلامس قوى المجتمع و اجياله لديمومة الدولة و ليس لضمان عمر سلطة، وكل تجارب الانهيار الذاتي كانت بسبب الحرص على ديمومة سلطة لا ديمومة مجتمع و دولة، ومرد ذلك القصور في فهم ان طبيعة الحياة الانسانية نسبية في كل شيء.
المجتمعات هي تجمع افراد، و بالتالي فخطط الاستثمار في الافراد عبر القضاء على الفوارق العرقية و الطائفية بوضع معايير مواطنة خارج التطرف و الانحياز، ومعالجة الفقر وترميم الطبقات بشكل و مضمون بنّاء و ان استغرق طويل وقتٍ، لهو افضل من اسئثار طبقة بحقوق الاخرين بلا وجه عدل.
السلطة هي المدانة بالتوريط ان اختارت برامج عمل غير موجهة لضمان حياة افضل لرعاياها، و راحت تبحث عن ساحات لا تجلب الا الخسارات التي تأكل البيئة المجتمعية، معتقدة ان طبقة ملحقات السلطة هي الاجدر و الاولى بالرعاية، غير مهتمة بغيرهم ممن يقوم عليهم و بهم و لأجلهم كيان الدولة، و لضمان ذلك تسعى السلطات لتنازل غير معلن عن واجباتها تجاه مشاكل عوام الناس مغطية على ذلك بخطاب استهلاكي مفرغ.
يقابل توريط السلطة توريط مقابل يزينه لها المستفيدون منها و الجاهلون بحقوقهم من العامة المنهكين بمواجهة مصاعب خلقها حكم غير رشيد، عندها يلد المجتمع المريض بأغلبه مّثُلا خاصة و خارج قيم الاصالة، ومفاهيم مشوهة عن الحق و الواجب و العدالة و القانون، و عن كل شيء و امر يدخل في واقع الحياة، ساعتها لن يكون مستغربا ان تنقلب الموازين فهذا هو منطق الواقع في سلطة تورط المجتمع في اهتمامات تجعل سلم الاولويات مقلوبا او مشطوبا على فقرات منه هي الاساس، فيما يستكمل التوريط حلقته و تستحكم دائرتها عبر انتقاء الصندوق الانتخابي لمنح شرعية لطرف غير جدير بالحصانة و لا التشريع و لا التنفيذ ليكون ممثلا للمصالح ضمن منظومة هجينة متعددة الانقسامات متصارعة لا متنافسة، تتغذى على جسم الدولة فأذا اتت عليه دفعها جوعها لمهاجمة الاخرين وعندها تتخبط بين ثلاث: اما الفوز و تكرار الهجوم لسد الطمع، و اما الانكسار امام خصم قوي، او التشظي لمجموعات اصغر، و الخاسران الاكبران دوما هما الدولة و المجتمع.
مقال منشور في صحيفة الزمان