• Friday, 27 December 2024
logo

تأثير سوق العملات في السليمانية على إيران

تأثير سوق العملات في السليمانية على إيران

عمر احمد :

 

قبل تحديد أسعار صرف العملات اليومية في سوق (فردوسي) بطهران، تتحقق مكاتب الصرافة من أسعار صرف الدولار والعملة الإيرانية في سوقي بلدين مجاورين، العراق وأفغانستان.

وفي هذه الأثناء، فإن لسوق العملات في السليمانية التأثير الأكبر على سوق العملة المحلية الإيرانية بسبب علاقات إيران الاقتصادية القوية مع العراق وإقليم كوردستان.

التجارة بين العراق وإيران، التي يتراوح حجمها بين 10 مليارات و12 مليار دولار سنوياً، جعلت من السليمانية مركزاً مالياً مهماً. بل حتى قبل 2003، وفي عهد النظام العراقي السابق، وبفضل نشاط وخبرات تجار السليمانية، لم يكن سوق العملة في السليمانية مركزا مالياً رئيساً بين البلدين، بل كان مركزاً مالياً رئيساً على صعيد المنطقة.

تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران في 2018، زاد دور سوق العملة في السليمانية في استقرار العلاقات التجارية بين العراق وإيران. فسعر صرف الدولار والعملة الإيرانية في السليمانية يمثل سعر صرف الدولار والعملة الإيرانية في العراق.

في بدايات 2023، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية إجراءات جديدة لتقييد تدفق الدولار من العراق إلى إيران وفي هذا السياق زادت باستمرار من ضغوطها على البنك المركزي العراقي، لكن مكاتب صرف العملات في السليمانية تعمل باستخدام نظام يحميها من هذه القيود. إنهم ينفون انتقال أي دولارات نقداً إلى إيران من السليمانية، سواء أكان عن طريق التهريب أو غيره من الطرق.

حجم الصادرات الإيرانية إلى العراق 900 مليون دولار في الشهر

تصدر إيران بضائع بقيمة نحو 900 مليون دولار إلى العراق شهرياً. يتعلق نحو 50% من هذه الكمية بتصدير الكهرباء والغاز الإيراني إلى العراق، وتقدر الحكومة العراقية هذه الخدمات بالدينار العراقي وتودعه لدى المصرف التجاري العراقي، وبموافقة الحكومة الأمريكية، تستطيع الحكومة الإيرانية استخدام ودائعها في البنك التجاري العراقي، والتي تقترب من 10 مليارات دولار، لشراء السلع الإنسانية كالأدوية والغذاء.

وقد قام رجال أعمال من العراق وإقليم كوردستان، خلال السنة الماضية بشراء بضائع بقيمة حوالي مليار دولار نيابة عن إيران باستخدام الموارد المالية الإيرانية في البنك التجاري العراقي وصدروها إلى إيران.

أما الـ50% الأخرى من صادرات إيران إلى العراق وإقليم كوردستان، فتتألف من المواد الغذائية وصولاً إلى المواد الإنشائية والصناعية، ويبلغ حجمها حوالي 450 مليون دولار إلى 500 مليون دولار شهرياً، وهذه التجارة تجري بواسطة القطاع الخاص الإيراني. في هذه السياق، تعمل مكاتب صرف العملات في السليمانية بنظام لافت يسهل فقط استقرار التجارة بين العراق وإيران، وفي نفس الوقت لا ينتهك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران حسب قولهم.

معدل حجم صادرات السلع والبضائع من جانب القطاع الخاص الإيراني إلى العراق يعادل 15 مليون دولار يومياً.

نظام التبادل الافتراضي بين إيران والسليمانية

كيف تستوفي المصانع والشركات الإيرانية أثمان البضائع التي تصدرها؟

العقوبات المفروضة على إيران لا تسمح بتحويل أي مبلغ مالي من بنك أجنبي إلى بنك إيراني، لذلك تتم معالجة نحو 15 مليون دولار من أموال الشركات الإيرانية يومياً من خلال نظام مثير وفعال من قبل مكاتب الصرافة في العراق، وخاصة مكاتب الصرافة في السليمانية.

وبدون نقل أو تحويل أي أموال نقدية إلى إيران، يعد هذا النظام مثالاً على ابتكار رائع فعال وناجح إلى حد كبير.

على سبيل المثال، عندما تقوم شركة إيرانية بتصدير مواد غذائية بقيمة 600 مليون تومان إيراني (حوالي 10 آلاف دولار) إلى إقليم كوردستان والعراق. يودع التاجر العراقي مبلغ 10 آلاف دولار في مكتب الصرافة في السليمانية وبذلك يقوم بتسوية حسابه مع البائع الإيراني. لمكتب الصرافة في السليمانية شريك أو ممثل في إيران يقوم بإيداع مبلغ 600 مليون تومان إيراني في حساب الشركة الإيرانية.

أما ما تبقى من العملية فهو تصفية حسابات مكتب الصرافة في السليمانية مع ممثله وشريكه داخل إيران.

هذا ليس سوى وجه واحد لهذه العملية. فعندما يحتاج مصنع إيراني إلى استيراد المواد الخام من تركيا أو الصين أو الإمارات أو أي دولة أخرى، سيتحتم عليه تحويل دولارات إلى تلك الدول، وعلوم أنه عاجز عن القيام بذلك من خلال المصارف والمكاتب داخل إيران. لكن مكاتب الصرافة في السليمانية تقوم بذلك.

هذه المرة يقوم شريك مكتب صرافة السليمانية في إيران بتوجيه مكتب السليمانية لتحويل مبلغ 10 آلاف دولار إلى تركيا أو الإمارات أو الصين ثمناً لطلب الشركة أو المصنع الإيراني، وبهذا يصفي حسابه لدى مكتب السليمانية.

هذه مجرد معاملة واحدة، ولكن المئات بل الآلاف من هذه المعاملات تجرى يومياً، ما أدى في النهاية إلى إنشاء نظام افتراضي يسهل التجارة بين العراق وإيران بدون الحاجة إلى نقل الأموال النقدية، وفي أحيان كثيرة تستخدم هذه الطريقة للتجارة بين رجال الأعمال الإيرانيين ورجال الأعمال من الإمارات وتركيا والصين.

مكاتب الصرافة في السليمانية لم تتحول إلى مجرد جسر بين رجال الأعمال الإيرانيين والعراقيين، بل تمثل في كثير من الأحيان نقطة اتصال وتسوية حسابات بين رجال الأعمال الإيرانيين ورجال الأعمال الأتراك والإماراتيين والصينيين أيضاً.

وإذا كانت هناك حسابات بين مكاتب السليمانية وشركائهم في إيران، على سبيل المثال، ، فغالباً ما تتم تصفيتها شهرياً وأسبوعياً في دول مثل الإمارات وتركيا. بهذا تتم معالجة حوالي نصف مليار دولار شهرياً من قبل مكاتب الصرافة في العراق، وخاصة في السليمانية، بدون تحويل أي أموال نقدية، وجميع المعاملات هي في الواقع مجرد أرقام يتم تحويلها من اسم شخص أو حساب مصرفي لشخص إلى حساب مصرفي لشخص آخر.

تأثير سوق العملات في السليمانية على سعر صرف التومان

العرض والطلب على التومان الإيراني يتغيران بصورة يومية في سوق السليمانية، ما يؤثر على سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل التومان الإيراني في سوق السليمانية. يعتمد الطلب والعرض على العملة الإيرانية في سوق السليمانية على مقدار الطلب على العملة الإيرانية من قبل رجال الأعمال العراقيين لتحويلها إلى رجال أعمال أو شركات إيرانية، أو العكس، حجم الطلب على الدولار من جانب رجال الأعمال والشركات الإيرانية لتحويله إلى بلد ثالث عن طريق مكاتب الصرافة في السليمانية.

ولذلك يؤثر سعر الدولار في السليمانية على سوق العملة المحلية الإيرانية، وقد أدى ذلك إلى أن يكون سعر صرف الدولار والعملة الإيرانية في سوق السليمانية هو الذي يحدد سعر صرف الدولار داخل إيران. تغير سعر صرف الدولار والعملة الإيرانية في سوق السليمانية يشير إلى حركة التجارة الخارجية لإيران مع الدول الأجنبية، وخاصة جيرانها. فإذا زادت صادرات إيران إلى الدول، وخاصة شركائها التجاريين الرئيسيين مثل الصين والإمارات والعراق وتركيا، فإن الطلب على العملة الإيرانية سيرتفع في أسواق العملة في السليمانية والعراق ما يرفع سعر صرف التومان مقابل الدولار في سوق السليمانية، وعند حدوث العكس يتراجع سعر الصرف هذا.

أخيرا، بالإضافة إلى عاملي العرض والطلب، يؤثر المناخ النفسي للسوق والبيئة الجيوسياسية على سعر صرف الدولار والعملة الإيرانية في سوق السليمانية وداخل إيران. فمن المعلوم أنه عندما تتدهور العلاقات بين إيران والدول الغربية، بشأن مسألة الملف النووي في البلاد، على سبيل المثال، فإن الطلب على شراء وتحويل العملة الإيرانية في سوق السليمانية، سوف يتراجع، ويؤدي ذلك إلى تراجع سعر صرف العملة الإيرانية

 

 

روداو

Top