• Sunday, 24 November 2024
logo

الدكتور يحيى الكبيسي: محاولة ممنهجة من قبل المحكمة الاتحادية لقضاء الصلاحيات الدستورية لإقليم كوردستان

الدكتور يحيى الكبيسي: محاولة ممنهجة من قبل المحكمة الاتحادية لقضاء الصلاحيات الدستورية لإقليم كوردستان

 

الدكتور يحيى الكبيسي باحث وسياسي عراقي، عضو ائتلاف القرار العراقي، متخصص في الشأن العراقي في الموقع العربي 21، وهو كاتب في مركز دراسات الجزيرة ومستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، له عدة بحوث في مجالات" النقد الأدبي، العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والقانون والتربية، وهو أحد الأصوات العراقية التي تدافع عن هوية المواطنة العراقية وسيادة أراضيه. وهو من المخلصين الذين يعملون بجدية من أجل التعايش بين جميع القوميات والديانات المختلفة في العراق وله موقف جاد ويعبّر عن آرائه ووجهات نظره بصراحة تامة في جميع القنوات العراقية والعربية،  وكذلك في الصحف والمجلات العربية والعراقية وفي حلقة اليوم من حلقة الحوار والمعنونة: "إقليم كوردستان بين زوبعة الصراعات الإقليمية والدولية" أعرب بكل وضوح عن آرائه بشأن هذه القضية وقدم لنا العديد من الاقتراحات والتوصيات.

قبل كل شىء، أشكركم على هذه الدعوة لأن أكون أحداً ضمن هذه المجموعة لمناقشة قضية حساسة وحيوية تتعلق بقضية إقليم كوردستان بين زوبعة الصراعات الإقليمية والدولية". هناك عدد من المواضيع التي يجب أن نطرحها كمقدمة ضرورية لفهم طبيعة الصراع المعقد حالياً في المنطقة، وفي رأيي أن هذه المسألة تتعلق أيضاً بكوردستان ذاتها.

 وإذا نظرنا إلى إقليم كوردستان من خلال هذا الصراع المعقد، نرى أن أضعف نقطة في إقليم كوردستان هو الانقسام الموجود داخل العملية السياسية للإقليم، فلابد أن تكون هناك علاقات قوية سواء مع بغداد والحكومة المركزية أو مع الأطراف الأخرى في هذا الصراع الإقليمي والدولي المعقد، ولا يمكننا أن نتجاهل هذه المقدمة عندما نريد مناقشة هذه القضية الحساسة. ولقد احدث هذا الانقسام تأثيراً كبيراً على جيوسياسية الأقليم، وذلك لعدم وجود موقف سياسي موحد في إقليم كوردستان، حيث لا يمكننا أن نتجاهل هذه المقدمة عندما نريد مناقشة هذه المسألة الحساسة.

أود الإشارة الى نقطة أخرى، وهي أن طبيعة العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية معقدة للغاية، وليس هناك وضوح في هذه العلاقة بين الجانبين، سواء شئنا أم أبينا وتأثيرها السلبي على الوضع في إقليم كوردستان. ليس بينهما اتفاق على الصلاحيات، وليس لديهما موقف مشترك بشأن المسائل الإقليمية والدولية، وهناك القضية الأخرى والمهمة وهي موقف دول الجوار وإقليم كوردستان، هذه الدول في بعض الأحيان تظهر موقفاً واحداً، ولكن لا نعرف هل انّ هذا الموقف هو تجاه العراق كله، أم موقفين مختلفين تجاه العراق ككل وتجاه اقليم كوردستان بشكل آخر، وهذا يتعلق بموقفي الدولتين تركيا و إيران، والأيرانيون على سبيل المثال، يعتبرون انفسهم حلفاء للحكومة الاتحادية العراقية، لكن هذا التحالف لا ينعكس على طبيعة علاقاتهما مع إقليم كوردستان، كما أن طبيعة علاقات الاتحاد الوطني الكوردستاني مع إيران لها تأثير سلبي على العلاقات بين أربيل وطهران، وفي هذا السياق سينعكس ذلك على طبيعة دور إقليم كوردستان في هذا الصراع.

أما بالنسبة الى تركيا، فهي ايضاً لديها عدد من المشكلات المتعلقة بإستراتيجيتها تجاه العراق، هذه المشكلات التي لديها مع العراق، تنعكس على العلاقات بين أربيل وأنقرة، هذا المقياس لطبيعة العلاقات بين العراق وتركيا، خلقتْ حالة من عدم الأستقرار لتلك العلاقات في كل الأوقات من جهة،  وكذلك في العلاقات بين إقليم كوردستان وعلاقات تركيا والسليمانية من جهة اخرى.

وبعد هذه المقدمة، إذا كانت طبيعة الصراعات التي تجري حالياً في المنطقة، وامتدت شرارتها إلى إقليم كوردستان، وكما نعلم جميعاً أنّ إيران قامت مراراً وتكراراً بقصف أربيل بالصواريخ تحت ذرائع مختلفة، ومع ان تلك الذرائع الأيرانية بعيدة عن الحقيقة، ولكن تتعامل إيران مع إقليم كوردستان على أساس هذه الذرائع، وفي المقابل فإن الحكومة الاتحادية ليس لديها موقف حاسم وقوي، وهو ما ينعكس في حد ذاته على العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية، وفي العلاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق هناك نفاق، وعلى سبيل المثال، ففي العلاقات الأمريكية العراقية، فإن إيران لاتشكل مشكلة أو خطورة، ولكن في العلاقات امريكا مع إقليم كوردستان نرى أن إيران تعتبر مشكلة وخطورة في المنطقة.

هناك نوعان من المواقف بين الأحزاب السياسية الشيعية العراقية بصدد علاقات العراق مع امريكا. انّ موقفهم الواضح هو أنهم يطالبون بخروج القوات الأمريكية من العراق، وهذا ليس الاّ تضليل ودعاية. والحقيقة هي أن الحكومة العراقية لديها علاقات قوية جداً مع امريكا، وانّ وجود القوات الأمريكية في العراق كان بطلب من الحكومة العراقية، ولم يفرض على العراق بوجود تلك القوات، والسؤال هنا هو لماذا لدى الأحزاب الشيعية هذان الموقفان المتعارضان بشأن إبقاء القوات الأمريكية في العراق؟.

وحول وجود مقاتلي حزب العمال الكوردستاني في العراق، فإن ذلك اصبح مسألة معقدة بين تركيا والعراق، خاصة وأن علاقة حزب العمال الكوردستاني الحالية مع الحكومة العراقية ليست كما كانت قبل عام 2014. والسؤال هو لماذا تقصف تركيا أربيل أو السليمانية لمهاجمة حزب العمال الكوردستاني؟ وحزب العمال الكوردستاني متحالف رسميًا مع قوات الحشد الشعبي، التي تعد قانونياً جزءاً من القوات المسلحة العراقية في اطار وزارة الدفاع العراقية، كل هذه الظروف جعلت الوضع في إقليم كوردستان معقداً للغاية. وبعد عام 2014، شكل حزب العمال الكوردستاني تحالفاً علنياً مع قوات الحشد الشعبي، والسؤال هو لماذا تقصف تركيا أربيل أو السليمانية لضرب حزب العمال الكوردستاني؟ هذا في حين نرى انّ حزب العمال الكوردستاني متحالف رسمياً مع قوات الحشد الشعبي، وان تلك القوات التي تعد قانونياً جزءاً من القوات المسلحة العراقية في اطار وزارة الدفاع العراقية. كل هذه الظروف جعلت الوضع في إقليم كوردستان معقداً للغاية.

حالة سلبية اخرى التي تشكل خطراً للأقليم، هو عدم وجود قرار موحد داخل إقليم كوردستان، وهذا  ليس فقط ضد الحكومة العراقية وحزب العمال الكوردستاني، بل أيضاً ضد دولتي إيران وتركيا، وكذلك ضد كافة المسائل المتعلقة بالأقليم، وعلى سبيل المثال لاحظنا في الفترة الماضية أن هناك محاولة ممنهجة متعددة الأطراف من قبل المحكمة الاتحادية العراقية للقضاء على جميع الصلاحيات الدستورية لإقليم كوردستان، وردا على هذه الجهود التي تبذلها المحكمة الاتحادية نرى انقساماً في موقف إقليم كوردستان وهذه هي مشكلة حقيقية،  ومقابل ذلك نجد ان هناك انقساماً في موقف إقليم كوردستان ازاء تلك المساعي للمحكمة الاتحادية، وانّ أربيل ترفض قرارات المحكمة الاتحادية، أما في السليمانية كما رأينا، انهم يحتفلون بقرارات المحكمة الاتحادية، وهذه اشكالية حقيقية.

ملاحظة اخرى على قرارات المحكمة الاتحادية ضد اقليم كوردستان، وهو نوع من التعديل للدستور العراقي، بينما جاء حسب المادتين 126 و 142 من الدستور كيفية اجراء التعديل للدستور و ليس من خصائص المحكمة الاتحادية القيام بتعديل الدستور، بل ان مهمتها هي تفسير الدستور لاغيره، وعلى سبيل المثال جاء في المادة 126 من الدستور" لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/ 5) اعضاء مجلس النواب،اقتراح تعديل الدستور".،كما نصت المادة 142 كالآتي: " يشكّل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور. وتحلّ اللجنة بعد البت في مقترحاتها." ، وتمت الأشارة الى ذلك بصورة صريحة، أن تعديل الدستور هو من عمل البرلمان الذي يشكل لجنة من جميع المكونات العراقية المختلفة ومن ثم يتم توصية اللجنة لتعديل المواد اللازمة، وفي هذا الأطار، وضمن مخالفة مواد هذا الدستور أعتقد أن قرارات المحكمة الاتحادية العراقية كلها هي من اجل القضاء على صلاحيات إقليم كوردستان، والهدف منها حل إقليم كوردستان بقرار.

وفي هذا الاطار أعتقد أن عدم وجود موقف موحد في إقليم كوردستان ينعكس على تقييم دور الإقليم في الصراع الإقليمي والدولي المعقد المتعدد الأطراف القائم في المنطقة، وهذا أيضاً يعيدنا إلى أحداث عام 2017 بعد أن أجرى إقليم كوردستان الأستفتاء، واعتقدنا جميعاً أن امريكا تعتبر إقليم كوردستان حليفاً لها، لكنها تخلت عن إقليم كوردستان في تلك اللحظة التاريخية، وهكذا تعرض إقليم كوردستان لعقوبات جماعية من قبل بغداد. لذلك اقول في الختام، أنّ هذا الانقسام السياسي في الإقليم وعدم وجود موقف موحد في إقليم كوردستان تجاه الحكومة الاتحادية العراقية ودول الإقليم، سيمنعنا من اجراء تقييم الوضع في الأقليم بشكل دقيق ضمن هذا الصراع المعقد السائد حالياً في المنطقة .

 

 

 

 

Top