• Wednesday, 08 May 2024
logo

غياب التماسك سبب للتشكيك والاشتباك

غياب التماسك سبب للتشكيك والاشتباك

سيف السعدي

 

إن غياب الاندماج الوطني في العراق لعب دوراً مهما في ظهور مصطلحات محلية تستعمل للانتقاص من الفواعل السياسية لمكونات الشعب العراقي الرئيسة للدلالة على حالة الخنوع والخضوع، فعلى سبيل المثال "ذيل إيراني" و"ذيل تركي" و"ذيل خليجي" و"جوكر أميركي" و"أولاد السفارة"…الخ، هذه المصطلحات المحلية باللهجة العراقية الدارجة دوافعها سياسية ولكن لها انعكاسات سلبية على حالة التشظي والتشرذم التي يشهدها المجتمع العراقي، مما عزز حالة من الانقسام والتوتر، الأمر الذي يؤخر فرصة بناء مجتمع مدني، لأن الانقسامات الإثنية هي ضد التصرف العقلاني للمواطن.

لذلك نجد حالة من التشكيك من ثم يتبعها اشتباك وهي مدفوعة بمغذيات ورافعات سياسية، وهنا تكمن الخطورة في الجمهور المتلقي والذي يكون هو الهدف الرئيس من هذه العملية، حيث نجد هناك جمهوراً مدافعاً عن شخصية يعدَّها رمزية أو زعامة أو قيادة، وآخر مهاجماً لتحقيق الهدف الذي تبتغيه فواعل سياسية، فالجمهور أنواع وطبقات منهم من يمتلك خبرة سياسية وبارعٌ في البروتوكولات وهناك من يتعامل بعاطفته ومبادئه وهو لا يعلم أن السياسة الثابت فيه الوحيد هو المتغير، وهي رمال متحركة، ممكن نجد أصدقاء اليوم أعداء في الغد، لأن المعادلة السياسية هي خاضعة لمصالح ومنافع متبادلة، لذلك كل جمهور ينتمي لطائفة ومذهب وقومية يدافع عن قضاياها هو يراها الحقيقية دون الأخرى، وهنا يستحضرني قول جلال الدين الرومي إذ يقول "الحقيقة هي كالمرآة التي سقطت من السماء على الأرض وتشظت، وكل طرف اخذ منها قطعة وظن أن الحقيقة معه"، ولكن يجب أن لا نخلط الأوراق لغرض الاستقواء والرفض لمجرد الرفض.

الدكتور علي الوردي يقول "كلنا ندعي أننا نحب الحق ونريد نصرته من صميم قلوبنا، ولكننا في الواقع لانحب إلا ذلك الحق الشعري الذي نلهج به دون أن نعرف حدوده في الحياة العملية، أما الحق الصارم الذي يهدد مصالحنا فنحن ابعد الناس عنه"، وهذا ما يحصل اليوم في العراق نجد أن الجمهور العقائدي، والمؤدلج، والزبائني في حالة اشتباك وتشكيك مستمر ولا سيما عندما يكون هناك اجتماع أو تقارب مع دولة أو ضيف مسؤول يلتقي بشخصيات حزبية أو قيادية تمثل مكون معين، ونجد هذه التقسيمات من الجمهور مثقلة بالإجابة عن أسئلة قديمة من صراع ونزاع، هيمنة واحتلال، عداء واحتكار، دون عطف النظر على أن هذا العدو سيكون صديقاً يوماً ما بحسب طبيعة المصالح التي ممكن أن تجمعهم، وجون ديوي تحدث عن هذا الشيء بقوله "تتقدم الشعوب ليس لأنها تجيب عن الأسئلة القديمة بل لأنها تتجاهلها"، لذلك نجد نفس الصراع ونفس النزاع ونفس الاسلوب "قذف وسب وتشهير" مما ينتج عنها مزيدًا من التفكك والانقسام.

ربَّ سائلٍ يسأل بسؤال منطقي وهو يُطرح دائماً: لماذا بعض الفواعل السياسية والمجتمعية تفكر بالحل يكون عن طريق العامل الخارجي والمؤثر الدولي والإقليمي وليس العامل الداخلي؟ ودائماً ما يطرح أن التغيير هو يكون على غرار ما حصل في 2003!!، الجواب يكمن في فقدان حالة الثقة بين الفواعل السياسية، وكذلك الطبقة المجتمعية، وفشل أغلب محاولات التغيير الداخلية، وانتشار مرض "الطائفية" وتصدير الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، وكل فئة تفكر بمنطلق الامتداد المذهبي والقومي الخارجي، والأمر الأهم هو العامل الخارجي يعزف على وتر تأريخ الامم والإمبراطوريات والهيمنة على شعوب المنطقة لذلك ينعكس على الداخل العراقي، ولو كان هناك ثقة وانسجام واندماج ضمن الهوية الرئيسية للدولة لما كان للعامل الخارجي تأثير على مكونات ومذاهب وقوميات الشعب لكن للأسف هذا العامل مفقود، وهذا ما يجعل المجتمع لا يتقدم وانما مثقل بالمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية.

هذه الحالات تتطلب معالجة فورية وعاجلة من قبل قادة الرأي والنخب السياسية لما يحصل من حالات سياسية يراد توظيفها على أنها خرق للسيادة وتنطلق أبواق مدفوعة الثمن للتشكيك بوطنية هذا المكون والتقليل من الأهمية القومية لجزء من الشعب، على سبيل المثال عندما يحصل اجتماع مابين مسؤول إيراني وقيادات حزبية متنفذة، أو مابين مسؤول تركي وقيادت سُنية، أو مابين مسؤول أميركي وقيادت كوردية كل جهة تحاول تسييس الاجتماع طبقاً لغايات ومصالح، والغرض منها التشويش على الرأي العام، ليبقى الجمهور في دائرة الصراع المذهبي والقومي، وهذا الوتر يخدم الطبقة السياسية للبقاء أكثر في السلطة بحجة هذا "هذا ذيل لدولة ما" يهدد مصلحنا مذهبياً، وعقائدياً، وقومياً.

 

 

 

روداو

Top