السوداني في اختبار المكتب البيضاوي
عادل باخوان
المقدمة
قبل 21 عاماً، في التاسع من نيسان، دخلت الدبابات الأميركية إلى وسط بغداد، فأنهت نظام صدام حسين. لكن بعد مرور واحد وعشرين عاماً، لم يفشل النموذج الذي كان يتوقع أن يعاد بناء العراق على أساسه فحسب، بل أن نموذجاً مناقضاً له قد ولد. في 15 نيسان، أي بعد ستة أيام فقط من ذكرى غزو العراق، سيزور رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني واشنطن والبيت الأبيض تلبية لدعوة رسمية من جو بايدن، حيث سيتم استقباله في البيت الأبيض والمكتب البيضاوي من قبل الرئيس بايدن. ولكي نفهم بعمق التحديات وأهمية وقيمة وتوقعات العراقيين والأميركيين لهذه الزيارة، من المهم أن نقرأ النقاط التسع الواردة في أدناه بتمعن.
1- تحقيق الحلم الكبير
تعمل فرق رئيس الوزراء بشكل عام وأقرب مستشاريه بشكل خاص، منذ تشرين الأول 2022 وحتى الآن، على استقبال السوداني من قبل جو بايدن في المكتب البيضاوي الذي يمثل رمز السلطة في الولايات المتحدة. لأنهم يدركون تماماً أن أي رئيس وزراء لا يحظى بالاستقبال في المكتب البيضاوي سيكون هناك خلل كبير جداً في ملفه الشخصي.
خلال فترة الـ 18 شهراً هذه، استخدم المستشارون الخاصون لحكومة السوداني ووزير الخارجية، الذي هو واحد من أكثر الأشخاص موثوقية عند السوداني، كل الآليات لتحقيق هذا الحلم الكبير، الذي كان يؤجل شهراً بعد شهر وفي كل مرة لسبب ما، لكن شمس السوداني أشرقت أخيراً من واشنطن في اللحظات الأخيرة من رئاسة جو بايدن، وسيفتح باب المكتب البيضاوي الكبير في وجه السوداني يوم الاثنين.
2- كسب دعم واشنطن: نسج حكاية عند الأمريكيين
السؤال الأساس هو: ماذا سيفعل السوداني في هذه الزيارة؟ وماذا سيفعل بهذه الزيارة؟ للإجابة على هذا السؤال، من المهم أن نفهم صورة السوداني المرسومة في مخيلة النخبة السياسية الأمريكية. هذه المخيلة ترى في السوداني السوداني عراقياً محلياً يعبر عن أحلام وتوقعات وتطلعات العراقيين المحلية وقد نجح في بذلك، لكن هذه المحلية تمثل مشكلة كبيرة منعته من الولوج في الشبكات المعقدة للعلاقات الدولية بشكل عام وتلك الأمريكية على وجه الخصوص.
هل يعلم السوداني بأمر صورته هذه عند الأوروبيين والأميركيين؟ أجل! وخاصة في الآونة الأخيرة، عندما أبلغه العديد من الأصدقاء والشخصيات المقربة بهذا. من هنا فإن الرهان الأول له كشخص يريد البقاء رئيساً للوزراء للسنوات الأربع المقبلات وعدم السير في مسار العبادي وعبدالمهدي والكاظمي، يتمثل في قيامه بنسج قصة أخرى، ليس فقط لإدارة جو بايدن الذي لم يبق أمامه سوى بعض أشهر في السلطة ولا ضمانة لفوزه بالرئاسة من جديد، بل للديمقراطيين والجمهوريين عموماً. قصة لا يقدم فيها السوداني نفسه للعالم كمجرد فاعل سياسي محلي يحمل مجموعة أحلام وتوقعات محلية، بل كفاعل في الستراتيجيات الكبرى لعالم شائك! وأمامه العديد من الفرص لنسج هذه القصة.
3- الانتقال من التحالف الدولي ضد داعش إلى اتفاقية عسكرية ثنائية
من بين هذه الفرص، نظام التعامل مع مسألة إنهاء الوجود العسكري للتحالف الدولي ضد داعش والانتقال إلى اتفاقيات عسكرية ثنائية مع الدول التي يتكون منها التحالف الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت العراق الجديد كهدية للشيعة!
يدرك السوداني تماماً أن العراق يحتاج إلى الولايات المتحدة من الناحية العسكرية، وقد يخسر بدون أمريكا الكثير من المكاسب الستراتيجية، بل ربما يتحول إلى مركز تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. كما يدرك أن الولايات المتحدة ترى أن بقاءها في العراق ضروري. كل هذا مؤكد وواضح للجميع، لكن ما ليس واضحاً هو قدرة السوداني نفسه في إدارة هذا الملف نوعياً وكمياً. فهو يتعرض في وقت واحد لضغوط من عدة منافسين محليين وإقليميين وعالميين ويحتاج إلى قدرة وكفاءة ووعي ستراتيجي عميق حتى يتجنب انفجار هذا اللغم الذي تحت قدميه ويقضي على مستقبله السياسي.
4- ميليشيات الحشد الشعبي: من هو قائدها!
على رئيس الوزراء أن يدرك أن واشنطن ليست طهران، وأن قصة كون الحشد الشعبي مؤسسة وطنية تحت قيادة رئيس الوزراء نفسه أمر لا تصدقه واشنطن. فعندما استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق مؤخراً، قال رئيس أركان الحشد الشعبي، أبو فدك: "نحن بانتظار قرار القائد آية الله علي خامنئي لتحريك قواتنا! ما يعني أن رئيس أركان الحشد الشعبي يرى أن مرشد جمهورية إيران الإسلامية هو من يتخذ قرار السلم أو الحرب في العراق وليس قائد القوات المسلحة العراقية محمد شياع السوداني!
من هنا، من المؤكد أنه يجب على السيد رئيس الوزراء أن يستعد للإجابة في 15 من الشهر الجاري في واشنطن، على سؤال: من الذي يتولى القيادة؟ كيف يمكن أن تنفق الدولة العراقية ثلاثة مليارات دولار سنوياً على قوة مسلحة هاجمت المصالح الأمريكية 180 مرة خلال أسابيع قليلة، ولا تقر بقيادة رئيس الوزراء لها وتعد مرشد جمهورية إيران الإسلامية قائداً لها؟
إن تعامل السوداني بصورة صحيحة مع هذا الملف هو على المحك، وإذا لم يكن حذراً، فقد ينفجر هذا اللغم تحت قدميه.
5- حماية جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز الاستخبارات والجيش من النفوذ الإيراني!
ربما ليس من المبالغة القول إن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي لا يقل أهمية بالنسبة للأميركيين عن أهمية الحشد الشعبي بالنسبة للإيرانيين. هذا الجهاز الذي صنعه الأميركيون بأنفسهم، وتعاملوا معه بشكل مباشر واعتمدوا عليه لدرجة عالية، أصبح الآن هدفاً رئيساً لتدخلات الموالين لإيران الذين يحاولون بكل الطرق الاستحواذ عليه، أو على الأقل اختراقه والاختلاط به واستخدامه.
على رئيس الوزراء العراقي أن يستعد لهذا الاختبار الصعب يوم الاثنين المقبل: كيف يمكن أن يمنح الأميركيين ضمانات عملية لحماية جهاز مكافحة الإرهاب من تدخل الجمهورية الإسلامية ووكلائها؟ وفوق ذلك، كيف ستتم حماية أجهزة المخابرات والجيش من هيمنة إيران؟ وكيف يؤكد لواشنطن بأن الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة للعراق لن تقع في أيدي أعداء أمريكا؟
6- الدولار المسرب إلى إيران وتوقعات العراق
يزداد عدد المشاريع في العراق يوماً بعد يوم. وقدمت حكومة السوداني نفسها، من البداية، كحكومة خدمة للعراقيين والعالم. وكلما زادت هذه المشاريع والخدمات، كلما زادت حاجة حكومة السوداني إلى المزيد من الدولارات. المشكلة هي أن لدى واشنطن معلومات مفصلة عن تدفق مليارات الدولارات إلى جمهورية إيران الإسلامية الخاضعة للعقوبات الاقتصادية الأميركية.
الولايات المتحدة مستعدة لتزويد حكومة السوداني بالدولارات، لكن هل يستطيع السوداني قطع طريق تدفق مليارات الدولارات التي ترسلها الميليشيات الموالية لإيران إلى إيران عبر آليات مختلفة واضحة ومعلومة للأميركيين؟ يدرك الأمريكيون أن السودانغ يرئس حكومة شكلها الموالون لإيران، لكنهم في نفس الوقت يريدون من السوداني أن يضع حداً لتلك الجهات الفاعلة التي لا تحترم العقوبات الأمريكية ضد إيران وتورط العراق في وضع معقد.
السوداني بحاجة إلى قوة سحرية تجنبه انفجار الألغام التي تحت قدميه.
7- الغاز الذي يشترى من إيران بتسعة مليارات ومشروع توتال إنرجي!
تفيد معلوماتي بأن الأمريكيين، في عدة اجتماعات، سواء في واشنطن أو بغداد، طلبوا من العراقيين بشكل مباشر ومتكرر إيجاد بديل جديد للغاز الإيراني، لكن العراق لم يستجب لهذا الطلب الأميركي حتى الآن، ويشتري ما قيمته تسعة مليارات دولار من الغاز الإيراني سنوياً لتوليد الكهرباء. مبلغ التسعة مليارات دولار هذا يشكل منفذاً كبيراً وقوياً ينعش الاقتصاد جمهورية إيران الإسلامية المنهار، ومن الصعب أن يقبل المؤيدون لإيران ببدائل أخرى.
على سبيل المثال، يرتبط جزء من العقد الذي أبرمه العراق مع شركة توتال إنرجي الفرنسية ببناء بنية تحتية ستسمح للعراق بإنتاج الكهرباء الخاص به وضمان استقلاله الكهربائي، ولكن جميع المعلومات يشير إلى أن المشروع لم يشهد حتى الآن أي خطوة إلى الأملم وتتضاءل فرص المضي فيه يوماً بعد يوم.
من المؤكد أن هذا سيكون واحداً من الملفات التي تريد واشنطن من السوداني أن يحسمها.
8- مسألة انسحاب الشركات الأمريكية من العراق
إن انسحاب الشركات الأميركية من العراق، من إكسون موبيل وشيفرون إلى بكتل وهانيويل التي لم يسمح لها بدخول العراق أصلاً، مسألة مهمة لصناع القرار في واشنطن. وفي مقابل هذا الانسحاب الأميركي، نجد شركات الدول المنافسة، الصين بصورة واسعة، وروسيا التي تدخل ببطء، تمثل ظاهرة اقتصادية.
هل لهذا علاقة بالوضع الأمني والاستقرار أم أنها ستراتيجية حكومة السوداني؟ فهل لدى السوداني رغبة أكيدة في تهيئة الظروف الموضوعية التي تتيح للشركات الأميركية العودة إلى العمل في العراق بدون التعرض لتهديد دائم؟ وفي واشنطن، يتعين على السوداني أن يجيب على هذه الأسئلة المهمة ويدعمها بالحقائق.
9- العلاقات بين أربيل وبغداد
أخيراً، وتحت ضغط العديد من جماعات الضغط الأمريكية، سيتم طرح مسألة العلاقات بين أربيل وبغداد بلطف في البيت الأبيض، وقد عمل السوداني على هذه القضية على مستويين.
الأول هو تطبيع الوضع الذي كان يزداد توتراً بين بغداد وأربيل، خاصة فيما يتعلق بمسألة رواتب موظفي إقليم كردستان. أتمنى أن أكون مخطئاً، لكن صمت الجهات الأصولية داخل الإطار التنسيقي على هذه المحاولة من السوداني تاكتيكي وقد يفسد اللعبة على السوداني بعد عودته من واشنطن.
المستوى الثاني، هو حضور مدير دائرة العلاقات الخارجية لحكومة إقليم كوردستان ضمن وفد السوداني. ولذلك أعتقد أن الملف الذي سيسبب أقل المشاكل للسوداني في واشنطن هو ملف العلاقات بين أربيل وبغداد.
الخاتمة
تحظى زيارة السوداني هذه لواشنطن بأهمية كبيرة على عدة مستويات: الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها. المستفيد الأول من هذه الزيارة هو السوداني نفسه، شرط أن يتمكن من حماية نفسه من مجمل الألغام المتناثرة تحت قدميه وهي جاهزة للانفجار. فهو يستطيع تجنب انفجارها، ليس هذا فحسب بل يستطيع أن يحولها إلى آلية للاستثمار في شخصيته، كشخصية من شخصيات الحل لإدارة التناقضات في العراق.
وإذا نجح السودان في هذه المهمة، فإن جميع العراقيين، وأقصد المواطنين وليس النخبة، يمكن أن يستفيدوا منها بالدرجة الثانية. بقاء أمريكا في العراق، ضمن الإطار الذي أشرنا إليه، يمكن أن يكون عاملاً مهما للغاية يساهم في تحقيق غد أفضل للعراقيين، بما في ذلك إقليم كوردستان. أما إذا حدث العكس، فيمكن أن يتحول انفجار الألغام تحت أقدام السوداني بداية لسلسلة طويلة من انفجارات أسوأ بالنسبة للعراقيين ككل.
روداو