• Thursday, 02 May 2024
logo

إن لم يتدارك الصدر الأمور

إن لم يتدارك الصدر الأمور

عارف قورباني

 

لمّا كانت الصراعات السياسية في العراق قد تعمقت وبلغت حد الكراهية والعداء تجاه بعضهم البعض، ففي كثير من الأحيان لا تجري رؤية المشهد الحقيقي وتقيّم الأحداث وتحلل من منظور هذه الصراعات. قليل من الناس ينظرون إلى الأحداث بتجرد وبعيداً عن انقسامات الأطراف المتصارعة.

هذا الانقسام العميق جعل المخاطر لا تُرى كما هي، لأن كل طرف ينظر إلى القضايا من منظور مصلحته، أو من حيث مدى إلحاقها الضرر بالطرف الآخر. ولأن الانقسام يكاد يبلغ حد الانقسام إلى جبهتين، أغلبية وأقلية، فإن سلطات ومؤسسات الدولة وحتى السلطة القضائية تُستخدم لخدمة الأغلبية، ولا أحد يسمع صراخ الأقلية، بدون أن يفكر أحد في: إلى أين ستمضي هذه المعادلة بمستقبل العراق؟

بل أن الخطر بلغ حد رسم خط أحمر يقف دون انتقاد بعض سلطات ومؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات التي باتت تستخدم كأدوات لحسم الصراعات. كالبيان الذي أصدرته المحكمة الاتحادية قبل أسبوعين، وأعربت فيه عن قلقها من تعرضها لبعض الانتقادات، مهددة في البيان باتخاذ إجراءات قانونية لردع هذه الانتقادات. بدون أن تسأل لماذا ينتقد الناس المحكمة الاتحادية أو ما هي تلك الانتقادات. بحسب الدستور، يجب أن تكون المحكمة الاتحادية مؤسسة مستقلة ومهمها الأساسية حماية الدستور ومنع خلط السلطات ومراقبة القرارات والقوانين بحيث تتفق مع الدستور. لكن عندما تحول هذه المحكمة إلى أداة في يد أحد أطراف الصراع، فلا شك أنها ستتعرض للانتقاد، وتعد جزءاً من المشاكل والصراعات.

إن رفض النقد أو عدم السماح بأن يكون للناس الحق في الحديث عن انحرافات هذه المحكمة دستورياً وقانونياً يوازي في خطورته خطورة تحولها إلى طرف في الصراع، لأن مسألة استقلالية قراراتها واستخدامها كأداة سياسية أكثر وضوحاً من أن يجتهد الناس لكي يدركوا هذه الحقيقة. إذ يكفي انحياز المحكمة الاتحادية إلى أحد الجانبين في النزاع على مقر حزبي في كركوك بين طرف كوردي وآخر عربي في، ليتخذ أصحاب أبسط درجات الوعي قرارهم بشأن استقلال هذه المحكمة. كذلك نشر صور تكريم المعلمين المحتجين لـ(ريان الكلداني) وشكره على دوره الأساس في إصدار قرار المحكمة الاتحادية، كاف لكي لا يخدع أحد نفسه.

المحكمة الاتحادية ليست الوحيدة التي انحرفت عن مسارها في هذا المجال، بل أن العراق ككل يتجه نحو مستقبل خطير للغاية. فقد باتت مؤسساته الدستورية والقانونية خاضعة للنفوذ الخارجي، ولم يبق شيء باسم المصالح العراقية، وهذه المؤسسات باتت تستخدم لخدمة أغراض ومصالح الأطراف المتصارعة ضمن أطر المعادلات الإقليمية والدولية. في الأسبوع الماضي، أفادت تقارير أن عدد منتسبي قوات الحشد الشعبي بلغ 500 ألف، ألا يمثل هذا خطراً حقيقياً، أن توجد في بلد ما قوة مسلحة قوامها نصف مليون خارج نفوذ المؤسسة العسكرية وفوق سلطاته الدستورية والقانونية؟ إضافة إلى ذلك، تستخدم عائدات النفط العراقي لتمويل الجماعات المسلحة الشيعية في سوريا ولبنان واليمن وأماكن أخرى كثيرة.

من المؤكد أن هذه المسألة مرتبطة بستراتيجية أوسع للسلطة الشيعية في العراق، ورغم أن الذين يظهرون على السطح في مراكز القوة العراقية عراقيون، إلا أن هناك مركزاً آخر يدير العراق. فقد بات الإطار التنسيقي كأغلب القوى السياسية الشيعية في العراق واجهة لسلطة إيرانية خفية، وتم تحويل العراق إلى مركز إدارة التشيع في المنطقة كلها.

في السنوات الأخيرة كانت هناك محاولة لإنقاذ العراق من السقوط الكامل في أيدي إيران. وكان التحالف الثلاثي بين الصدر والسُنّة والحزب الديمقراطي الكوردستاني نوعاً من محاولة في هذا السياق، ولكنهم فشلوا في الصراع، وبالتحديد بعد إرغام الصدر على الانسحاب من العملية السياسية وترك مقاعد البرلمانية للولائيين من الشيعة، فأصبح الطريق سالكاً أمام إيران. بعد ذلك، توقع العديد من المراقبين أن إيران ستنتقم من السنة والحزب الديمقراطي الكوردستاني، لكن الأمر بالنسبة لإيران لا يتعلق بالانتقام قدر تعلقه بضمان نجاح ستراتيجيتها. وإذا كان داعش هو الضربة الأولى للسنة، فقد تمكنت إيران عبر الأجهزة القضائية العراقية من توجيه الضربة الثانية للسنة وإزالة العقبة السنية عن طريقها. وبنفس الآلية، أضعفت مكانة الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

انتهجت إيران سياسة تقوم على مراحل تمثلت في حل الائتلاف الثلاثي (الصدر، بارزاني، الحلبوسي). إجبار الصدر على الانسحاب من العملية السياسية وإجبار الحزب الديمقراطي الكوردستاني والسنة على الخضوع لهيمنة الإطار التنسيقي تحت مسمى ائتلاف ظاهري يسمى (إدارة الدولة). ثم ضرب الحلبوسي وتفتيت وحدة الصف السنية. فضرب الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتوسيع الشرخ داخل البيت الكوردي. فقضت بذلك إلى حد ما على التهديد والعقبة الكوردية والسنية في طريق التشيع العراقي.

السؤال بالنسبة لي هو: هل أن إيران اكتفت بالحصول على نوع من الضمان لهيمنتها على كامل العراق، بما في ذلك المناطق السنية والكوردية، أم أنها بحاجة إلى المزيد من الضمانات؟ خاصة وأن الصدر لا يزال باقياً كأسد نائم في عرينه ومن المرجح دائماً أن يخرج منه قوياً.

أعتقد أنه كما أن الضغط بدأ من الصدر ثم السنة ثم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فالآن بعد إضعاف السنة وتوقعات إقصاء الديمقراطي الكوردستاني عن طريق انتخابات برلمان كوردستان، ستعود من جديد للضغط على مقتدى الصدر وتياره السياسي. فلتميز الصدر بكون أتباعه ملتزمين دينياً، ولأن أغلبية أنصاره موجودون في بغداد، سيكون دائما أكثر خطورة من الكورد والسنة، لذلك من المتوقع بعد إخراج الكورد والسنة من دائرة الصدر وتحييد دورهم في إدارة الدولة، ستفرض عقوبة ستراتيجية أخرى وأكثر صرامة على الصدر من شأنها أن توفر نوعاً من الضمان للشيعة الولائيين.

ولا أستبعد أنه في حال لم يستيقظ الصدر من نومة الغفلة قبل الانتخابات النيابية العراقية المقبلة، أن تستخدم المحكمة الاتحادية لتحدد مصيره ومصير تياره بحجة من الحجج وتقرر منعه من المشاركة في العملية السياسية. هذا سيدق المسمار الأخير في نعش العراق وسيفرض على العراق مجتمعاً شبيهاً بالمجتمع الإيراني، لن يكون فيه وضع سنة العراق أفضل من وضع سنة إيران وسيكون وضع الكورد في أفضل الأحوال مشابهاشابهاً لوضع الكورد في الشرق.

ولذلك، بالنسبة للسنة والكورد، اللذين أصبحا الآن مهمشين ومعرضين لخطر المزيد من السحق، من الأفضل لهما إعادة بناء الأمل على الصدر، بمعنى أن يحفزا الصدر وينبهاه إلى المخاطر المحدقة به، فبعودة الصدر إلى الساحة ستتغير المعادلات بصورة تفتح آفاقاً جديدة في وجه بقاء الكورد والسنة، وإلا فلا شك أن مستقبل العراق ماض صوب مجتمع طائفي منغلق وخطير، لا مكان فيه لأي اختلاف.

 

 

 

روداو

Top