• Saturday, 27 April 2024
logo

مدن الأنابيب.. فضاء المكان وتراكمية الزمان

مدن الأنابيب.. فضاء المكان وتراكمية الزمان

كاظم المقدادي

 

المدن التاريخية المهمة يا صديقي ترتقي في تخطيطاتها الحضرية الى ابعد نقطة تلامس فيها المستقبل بثقة معرفية وبزياداتها السكانية، وامتداداتها العمودية والافقية، وتقلباتها المناخية، وزحام شوارعها الرئيسة والفرعية.

هنا تبرز الحاجة لدراسات مستقبلية، مستفيضة ومعمقة، عن واقع وقدرة الانسان على البقاء للعيش المستمر فيها، ليشعر انه المخلوق المتحرك بعد ان بات قزماً وسط وديان من الأسمنت، مرتبكاً، متطيراً، وبحالة نفسية مزمنة أبعدته عن واقعه الاجتماعي والتاريخي .

لذلك فأن عملية تخطيط المدن والعمران تبدأ عادة بالمركز "وسط البلد" مراعية وجود عمارات متوسطة الارتفاع، تتناغم مع نشأة الانسان الملتاع نفسياً واجتماعياً، مع الوقت، ومع حركة الحياة واحتياجاتها اليومية، بتوفير فضاءات زمنية توليدية، وتراكمية ذهنية، تنتقل من جيل الى آخر .

الطفرات العمرانية السريعة والمتلاحقة قد تولد ارباكاً نفسياً متسارعاً ومؤذياً في حالات خاصة للمجتمعات التي لم تشهد حالات ومتطلبات التدرج العمراني وتكون ولادتها مثل، ولادة اطفال الانابيب. لنكون نحن ايضاً، بعد عقد وعقدين امام (مدن الانابيب).

الثابت ان المدن تنشأ مع الانسان، جيل منفوس وآخر منحوس، بتدرج طويل ومدروس. لتكون حالة طبيعية لمدن حديثة وجميلة ومتطورة تكنولوجياً وعمرانياً، ولم نخسر الانسان عملياً وواقعياً .

مركز المدينة، لابد وان يتطور مع الزمن، ومع الكثافة السكانية يتمدد المركز نحو مراكز فرعية جديدة، لنجد في المدينة أكثر من مركز حضري، تتوفر فيه جميع الاحتياجات الترفيهية والتسويقية، مما يساعد على تشتيت الضغط السكاني، وتجنب قوة الزحام الذي يحصل عادة في المركز القديم للعاصمة.

ان التطور العمراني والسكاني لمراكز العاصمة، يحصل مع تطور المدن الذكية، ومع حاجات المواطن للعمل والتنقل، والحاجة الى التوسع في حركة العمران وبناء عمارات شاهقة بعيدة نسبياً عن المركز، أي نحو ضواحي المدينة، كحاجة ضرورية للزيادات السكانية المتوقعة، وان لا يطوق المركز مرة واحدة بوديان من الاسمنت، والعمارات الشاهقة، ومن أول نقطة للتمركز السكاني .

الواقع ان المدن هي ايضاً كائن حي تنمو بتدرج مع الانسان لفضاءات زمنية محسوبة، تتماهى مع تطورات ثقافية وفكرية عصية على النسيان، ولا يتم تشيد المدن كقوالب جاهزة، بمنأى عن التطور الذهني والاجتماعي والاقتصادي .

فلا تندهش يا صديقي عندما تزور مدناً عمرها قصير، بلا تاريخ ولا مصير، علما اني اثمن عالياً قدرة الاشقاء في الخليج، على توظيف الاموال للبناء، على الاقل ان المواطن الاماراتي والعربي المقيم في دبي، او حتى الذي ذهب اليها زائراً بين يوم وعشية سوف يتخلص من عقدة الدهشة، سائحاً في المدن الاوربية .

مدينة دبي المدهشة تضاهي اليوم مثيلاتها من المدن في العالم في قضايا التطور العمراني، والتقل والخدمات وسهولة التحرك من مكان الى اخر للعمل او التبضع، مع ملاحظاتي في موضوع التدرج والتأقلم العمراني، الذي يات ضرورة، من ضرورات التأقلم، والعيش الرغيد في اي مدينة كانت في العالم .

معظم المعماريين في العالم من الذين يخططون للمدن يهتمون عادة بجوانب تفضي الى الاخذ بفكرة الفضاءات المتزامنة، وعدم التمركز البشري في العاصمة على حساب المدن الاخرى لأن التمركز وكما حصل في الامبراطوريات والحضارات القديمة وحتى في عصرنا الحاضر كثيراً ما يلغي الاخر سواء كان فرداً أو تكتلات عرقية وأثنية. حصل ذلك في باريس ولندن وبرلين وروما ونيويورك .

في النهاية تنزع فكرة وجود المدينة الى مبدأ تقديم الخدمات وجعل المدينة اقرب الى المناطق الريفية، باشجارها ومتنزهاتها، ووجود فرص عمل فيها من شأنها وقف عوامل الهجرة من الريف الى المدينة، او بين المدن الداخلية .

المدينة هي مثل الكائن الحي تتفاعل مع الانسان ويتفاعل معها منعاً لظاهرة الهجرة الجماعية، هي في الاصل الرغبة في البحث عن مكان افضل، وعن مدينة أمثل، ولأن مدن الذين قرروا الابتعاد عن مدنهم، لم تعد ملبية لحاجاتهم، وباتت غير قابلة اصلاً للعيش بسبب النقص في الخدمات وضعف الاجراءات .

وهنا تبرز أهمية االتخطيط العمراني الذي يواكب التطور الاجتماعي، والتطور الحضري، ومراعاة جمالية بيئية وخلق ثقافة بصرية، وتلبية رغبات وحاجات الانسان في التنقل المريح بعيداً عن التلوث والضجيج الفسيح.

 

 

 

روداو

Top