• Monday, 20 May 2024
logo

حزب العمال الكوردستاني ومبررات حمل السلاح

حزب العمال الكوردستاني ومبررات حمل السلاح

فؤاد عليكو 

 

ما حفزني الى كتابة هذا المقال هو ما طرح علي من أسئلة من موقع المصدر: في 7/1/2024 حول الموضوع، وما أثار جوابي بضرورة تخلي حزب العمال الكوردستاني PKK عن السلاح خدمةً لمصلحة الشعب الكوردي من لغط ، حيث فسّرها البعض من أنصار PKK بأنّ الجواب لا يخدم الشعب الكوردي كما تدّعي، بل يخدم أعداء الشعب الكوردي ويريحهم، ويقصدون بذلك (تركيا) ؛ لأنّ سلاح PKK يعتبر عامل ردع لتركيا من القيام بممارساتها القمعية ضد الشعب الكوردي.

بالتأكيد هذا الجواب الكلاسيكي ليس غريباً، بل ويعتبر مألوفاً بالنسبة لي من قبل بعض أنصار الحزب ، وعادةً ما يترافق ذلك بكيل من الاتهامات هنا وهناك بحق كل مَن يتناول سياسة PKK بالنقد والتحليل الموضوعي، ومع ذلك بتُّ مقتنعاً أكثر من أي وقتٍ مضى بأنّ هذا السلاح أضحى عبئاً وعائقاً أمام التطور الإيجابي للقضية الكوردية في تركيا، عدا عن تأثيراتها السلبية الكبيرة في بقية أجزاء كوردستان، ولتوضيح وجهة النظر هذه، لابدّ من العودة قليلاً إلى الوراء وإلى ظروف تأسيس الحزب في السبعينات.

 حيث وفي تلك الفترة كان العالم يُحكم من قبل قطبين أساسيين يتحكّمان بمصير العالم (حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي) و (الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا)، وكان الصراع بين القطبين على أشده في العديد من المناطق في العالم مروراً بآسيا وأفريقيا وانتهاءً بأمريكا اللاتينية ، وكان متعارفاً بأنّ الاتحاد السوفيتي كانت تدافع عن حقوق الشعوب المضطهدة أو التي تدخل في صراع مع دول موالية لحلف الأطلسي ( فيتنام، أفغانستان، فلسطين، بوليساريو، انغولا، سلفادور، نيكاراغوا…… الخ).

ضمن هذه الأجواء من الصراع بين القطبين ولدت PKK في كوردستان تركيا، وبما أنّ تركيا دولة مؤثّرة وعضوة في الحلف الأطلسي وتحظى بدعمٍ مميز من جانب الحلف ؛ بسبب موقعها الجغرافي المحاذي للاتحاد السوفيتي ، فمن الطبيعي أن يحظى الحزب الجديد بدعم المنظومة الشيوعية، كما أنّ الشعارات التحررية التي رفعتها PKK استقطبت الشارع الكوردستاني في الأجزاء الأربعة (تحرير وتوحيد كوردستان) و( إزالة الحدود الاستعمارية المصطعنة بين أجزاء كُردستان).

ولم يمضِ وقت طويل حتى كان الانقلاب العسكري في تركيا في أيلول 1980حيث زاد القمع بشكل لم يسبق له مثيل, مما اضطرّت معظم القوى السياسية التركية والكوردية إلى الهرب من جحيم قمع الانقلابيين، وأحتضن PKK من قبل النظام السوري والفلسطينيين في سهل البقاع ومن ثم البدء بالتحضير للكفاح المسلح بدعمٍ سوري/ ايراني/ فلسطيني ومن خلفهم الاتحاد السوفيتي.

وهكذا أعلن الكفاح المسلح في آب 1984، ودخلت تركيا في حرب ضروس دُمرت خلالها الآلاف من القرى الكوردية ، وذهبت ضحية الصراع أكثر من 50 ألف شخص من الطرفين دون أن يحرز أي منهما نصراً على الآخر بشكلٍ عملي.

 لكن وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي1991 وصعود نجم الرئيس التركي توركوت أوزال الديمقراطي الذي حاول إيجاد حل للقضية الكوردية في تركيا من خلال وساطة الرئيس الراحل جلال طالباني وكادت المحاولة أن تنجح لولا وفاته في ظروف غامضة، وعاد نزيف الدم من جديد في تركيا ولم يتوقّف ، بالرغم من اعتقال زعيم الحزب عبدالله اوجلان شباط 1999، حتى مجيء حزب العدالة والتنمية 2002 المنحدر من التيار الإسلامي في تركيا بطريقة ديمقراطية وعلى خلاف كبير مع القوى السياسية التركية القومية المتشددة .

وقد حاول الحزب منذ البداية الانفتاح على الشارع الكوردي، خاصةً وأنه استحوذ على أصوات كبيرة في المناطق الكوردية وتوّجت هذا الانفتاح بلقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان ومسعود بارزاني في احتفال كبير بمدينة ديار بكر 2005 أعلن خلاله صراحةً بأنه سيحلّ القضية الكوردية في تركيا ديمقراطياً، وبهذا الخطاب رفع التابو عن اللغة الكوردية والإعلام الكوردي وافتتحت عدد لابأس من الأقنية التلفزيونية باللغة الكوردية إضافةً الى قناة حكومية.

كما وافتتحت معاهد لتدريس اللغة الكوردية في بعض الجامعات وتوّج هذا التطور الإيجابي بتوقيع اتفاق بين الحكومة التركية ورئيس الحزب عبدالله اوجلان في آذار 2013، وشهدت تركيا بعد هذا الاتفاق نشاطاً سياسياً وثقافياً كوردياً ملحوظاً وتأسست أحزاب كوردية جديدة مستفيدةً من المناخ الديمقراطي المتاح.

كما شهدت المناطق الكوردية اهتماماً ونمواً في الجانب الاقتصادي بعد أن توفّر الأمن والاستقرار، كما حقّق حزب الشعوب الديمقراطيHDP  استقطاباً شعبياً كبيراً وصل الذروة في انتخابات حزيران 2015 حيث حصل على 81 نائباً في البرلمان التركي وأكثر من 100 بلدية منها 14 ولاية، حينها طلب رئيس الوزراء وقتئذ الدكتور احمد داوود اوغلو المشاركة في الحكومة، لكن مع الأسف رفض الطلب من دون مبررات مقنعة من أنصار الحزب، ثم تلا ذلك حادثتي جيلان بيار وسروج أدّى نتيجة ذلك الى نسف الاتفاقية وعودة العنف مجدداً وحتى اليوم.

ثم امتدت دائرة العنف إلى كوردستان العراق وكوردستان سوريا، ولا أحد يتكهّن متى تنتهي هذه الحرب التي لاتخدم أحداً وتؤثّر سلباً على مجمل نشاط الحركة الكوردستانية.

لكن في الجانب الآخر نلاحظ أنّ التوجه السياسي الديمقراطي لحزب العمال في تركيا حقّق تقدماً ملموساً ولازال موجوداً بقوة في الحياة السياسية التركية ويوجد الآن 67 برلمانياً في البرلمان التركي وفي يده العديد من البلديات، بينما أخفق في الجانب العسكري دون إحراز أي تقدم يذكر.

استنتاجاً لكلّ ما سبق أرى أنه من الأنسب لحزب العمال التخلي عن السلاح والعودة للاتفاقية الموقّعة بين الطرفين والنضال ديمقراطياً في تحقيق برنامجه الديمقراطي، خاصةّ وأنها تخلّت كلياً عن شعاراتها التأسيسية السابقة كالمطالبة باستقلال كوردستان واتباع نهج يطالب بالأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب والمجتمع الإيكولوجي الديمقراطي وأنّ الحالة القومية تجاوزها الزمن ، وسواءً اختلفنا معهم أم اتفقنا، فإنّ هذا الطرح ينسجم تماماً مع النضال الديمقراطي ويتعارض كلياً مع الكفاح المسلح.

فهل نشهد في قادم الأيام أصواتاً من PKK ترجّح هذا الخيار، وتتخلّص من هذا الاسم الموصوف بالإرهاب أوربياً وأمريكياً والذي يقف عائقاً أمام أي تقارب مع القوى العالمية المؤثّرة على القرار الدولي إضافةً إلى أنّ المرحلة الحالية عالمياً تعزّز يومياً التوجه الديمقراطي وتفقد الحركات المسلحة دعمها الدولي والشعبي معاً ، إضافة إلى أن التطور التكنولوجي في مجال الكشف عن المخابيء السرية ، وكذلك ظهور طائرات الدرون قد عقد العمل كثيراً على ممارسة أسلوب حرب العصابات في الجبال والغابات والمدن ، وبالتالي لم يعد أحد يمارس هذا الأسلوب من النضال سوى التيارات الدينية الراديكالية.

 

 

 

باسنيوز

Top