محاولات القضاء على علاقة كوردستان مع أميركا والحلفاء
عارف قورباني
ثمة مقولة شائعة مفادها أن الكورد لم يتولوا كتابة تاريخهم ما تسبب في أن يكتب تاريخهم مشوهاً، وفي هذا شيء من الصحة، لكن هذا ليس الحقيقة الكاملة. فجزء من صفحات التاريخ الكوردي، وخاصة التاريخ الحديث والمعاصر، كتب على يد مؤرخين كورد، لكنه أيضاً ناقص، والسبب ليس قلة الخبرة وعدم الوصول إلى الوثائق والبيانات، بل هو في جانب منه نتيجة لخوف المؤرخين من تبعات ما قد يكتبون وردود الأفعال عليها.
هناك بالتحديد مسألة وموضوع تاريخي مهم يجب الوقوف عنده وزيادة التحليل والتمحيص فيه، ويتمثل في الجرائم والأحداث التي انتهت بقتول جماعية لمواطني كوردستان. لكن، ولكي لا يفسر ذلك أو لا يحمل على محمل يخفف من جرائم منفذي تلك الجرائم، تلافى كتبة التاريخ كتابة وجه آخر للأحداث مهد أو هيأ الأرضية لتلك الجرائم.
إن إغفال كتابة هذا الجانب من التاريخ، وعدم تحديد هذه المسؤولية، تسبب في أن لا تتوانى ولا تتردد الشخصيات والاتجاهات السياسية في أي وقت ولا تحسب حساباً لنتائج أفعالهم وتداعياتها على شعبهم. فلو طرحوا على نفسهم هذا التساؤل، وخافوا من كون التاريخ الكوردي تاريخاً (يعاقِب)، لما وقع بعض الأحداث التي وقعت في الماضي أو لكانت مجرياتها بصورة تختلف عن التي حدثت.
رغم أنه ليس هناك ما يبرر أو يشفع لجرائم القتل الجماعي، ولا شيء يبرئ مرتكبيها من جرائمهم، والجرائم والظلم الذي ارتكبته في مختلف مراحل التاريخ الدول المتنفذة في المنطقة (الفارسية والعربية والتركية) ضد الكورد ولا زالت ترتكبه، لا يقلل من شأنه شيء ولا يمحوه شيء. لكن الجانب المعيب المتمثل في عدم ذكر الحقائق التي دفعت باتجاه وقوع الأحداث أو كانت أسباباً مباشرة لارتكاب الجرائم، يمهد لاستمرار تكرار هذه المسببات. والضحية الدائم لتكرار الأحداث هو الشعب وليس الفواعل السياسية ولا القوى والجماعات التي كانت طرفاً ساهم في وقوع الأحداث.
رغم أن الزمن لا يمكن أن يرجع إلى الوراء لنتمكن من الحؤول دون وقوع تلك الأحداث التي كانت نتائجها وتداعياتها مدمرة لكوردستان، فإنه يجب وضع نقطة في مكان ما، وإنهاء حالة تحول الكورد أنفسهم وبسبب سياسات خاطئة أو تصرفات وردود أفعال سيئة إلى معين وممهد لتدمير وطنهم.
لهذا كله، فإنني من هنا أقرع جرس إنذار مبكر واُسمع شعب كوردستان وقواه وسلطاته السياسية والحاكمين في كوردستان وأنبههم إلى أن اقليم كوردستان يشرف على التورط في أحداث ستجلب نتائجها خراباً إضافياً لشعبنا.
خلاصة القول هي أنه ليس بخاف أن الدول الإقليمية بقيادة تركيا وإيران انتهجت سبلاً كثيرة لإلغاء كيان إقليم كوردستان والكيان الذي يجري بناؤه في روجآفاي كوردستان.
فهم أصلاً يعلمون أن ظهور إدارة إقليم كوردستان أصلاً وبقاءه إلى اليوم، وما هو قائم في روجآفاي كوردستان، مرتبط بالسياسة الدولية وبدعم أمريكا وحلفائها، ولهذا يسعون إلى انتهاج سياسة تقضي على هذه العلاقة. لهذا الغرض، تعمل إيران الآن على تشكيل فصيل مسلح كوردي في جنوب كوردستان على غرار الفصائل التي شكلتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتي سلطتها على خصومها تحت مسمى جبهة المقاومة.
وتم جلب مسيرات وصواريخ كثيرة إلى الإقليم استعداداً للبدء بنشاطات قتالية. وخلال الأسابيع الأخيرة تداولت مواقع وصفحات اجتماعية مقربة من جبهة إيران أنباء عن قرب تأسيس (حزب الله الكوردستاني) وستكون له نشاطات على غرار حزب الله العراقي واللبناني.
وربما في المستقبل، وعوضاً عن قيام الحرس الثوري الإيراني بإطلاق صواريخ من كرمانشاه على أربيل، أو قيام فصائل الحشد الشعبي بتوجيه مسيرات مفخخة إلى مطاري حرير وأربيل وقواعد التحالف الدولي، ستتولى جبهة المقاومة الكوردية هذه المهام ومن داخل أراضي إقليم كوردستان.
تصوروا أن تظهر عناوين الأخبار من الآن فصاعداً على هذا النحو: "فصيل مسلح كوردي يعلن مسؤوليته عن استهداف قوة أميركية".
دعونا نتساءل كيف ستكون النتيجة فيما يتعلق بعلاقات الكورد والتحالف الدولي في حين أن تواجد قوات التحالف في المنطقة هو اليوم الضمان الوحيد لبقاء إقليم كوردستان والإدارة الذاتية لمدن روجآفاي كوردستان.
هدف هذه الجبهة وستراتيجيتها التي تقف خلف توريط الكورد في الصراعات والخلافات الإقليمية هو قطع يد أمريكا والحلفاء الداعمة للكورد، وبذلك ستتهيأ ظروف تمكنهم من القضاء على هذا الكيان بكل يسر. في السابق، كانوا في كل حدث تشهده المنطقة، يشيرون بأصابع الاتهام إلى الكورد ويتهمونهم بأنهم أصبحوا ملاذاً لأمريكا وإسرائيل، لكن إن لاحظتم ستجدون أن نغمة موالهم الذي يتهم الكورد قد تغيرت منذ أيام، وخاصة بعد ضرب مقرات وقواعد الفصائل المقربة لإيران والعاملة في العراق وسوريا، ليدشنوا حملة في شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وتيكتوك وفيسبوك وبعض الصفحات الإلكتروني تزعم أن الذين يستهدفون الأمريكيين يتم إيواؤهم في إقليم كوردستان. أنظروا، كانوا فيما سبق يتهمون الكورد بتأمين ملاذ لإسرائيل بينما يدعون الآن أن أعداء أمريكا مختبئون في كوردستان.
هذه مؤشرات خطيرة تدل على أن هناك أجندة قوية تريد توريط الكورد في الأحداث والتطورات الخطيرة المتوقعة والتي في بات حدوثها أمراً حتمياً. لكن الخطر على الكورد يكمن في أنهم لن يتحملوا أي تورط آخر.
روداو