إيران بين التهديدات الاميركية والإسرائيلية والوشاية السورية
مجاشع التميمي
اثارت تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بشأن الرد على العملية التي استهدفت القاعدة الأميركية في الأردن الكثير من القلق لدى الأوساط السياسية في دول محور الممانعة وقائدة المحور ايران، حيث قال أوستن: "سيكون لنا رد متعدد المستويات على الهجمات في الأردن".
هذا التصريح يشير إلى ان العلاقة الاميركية الايرانية باتت معقدة ومتداخلة وهي ليست بجديدة بل التوتر كان منذ عقود، لكن بعد عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول الماضي وما بعدها من تطورات تبعتها كانت أكثر تعقيداً؛ لكن يبدو أن هناك وجود اتفاق ضمني بين الطرفين من خلال رسائل غير مباشرة ضمن قواعد اللعبة أو عبر وسطاء بعدم خوض حرب مباشرة، وهذا ما قاله اوسن أيضا: "لسنا في حالة حرب مع إيران" وكلاهما يريد هذا النوع من التهدئة، فإيران ليست مستعدة لخوض معركة مباشرة مع الولايات المتحدة في هذه الحرب، كما أن الولايات المتحدة تشعر أن المواجهة مع إيران بشكل مباشر تعني الدخول بمستنقع طويل خصوصاً وأن الولايات المتحدة تريد حصر الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في القطاع حتى لا تتيح الإمكانية لإيران أن تستغل هذا الوضع، لكن الولايات المتحدة لديها أدواتها لمنع مثل هذا الاستغلال والاهم الآن هو أن التفكير الأميركي يتلخص في حل الإشكالية الفلسطينية الإسرائيلية وعدم السماح لإيران بالدخول على هذه القضية، وأن لا يكون لطهران حضور على طاولة التفاوض كي لا تبتز الولايات المتحدة وهذا هو التفكير الاميركي الواضح في خطابها المعلن.
فواشنطن ترى أن فتح جبهة مع إيران هو تهميش لما يحدث في غزة من حرب فيما التركيز الاميركي هو ايجاد حل لهذه الاشكالية المعقدة والكبيرة وهو الطريق لتحجيم نفوذ إيران بالمنطقة لان حماس أحد أبرز أذرع إيران، لذلك واشنطن وتل أبيب تريد القضاء او تحجيم حماس المقربة من طهران.
وفي موضوع التهديد الاميركي الخاص بالرد على طهران وحلفائها بعد مقتل واصابة العشرات بمسيرة على الحدود الاردنية السورية واعتقد أن الرد الأميركي لن يشمل حلفاء إيران فقط، فبعض التسريبات من واشنطن (بحسب خطاب اوستن) هو أن الرد الأميركي سيشمل حلفاء إيران وبالتحديد كتائب حزب الله أو عناصر الحرس الثوري في مكان ما، ليس بالضرورة في إيران، لان الحرس الثوري منتشر في المنطقة وبأشكال علنية وسرية، والتصور السائد هو ان الولايات المتحدة ستستهدف الحرس الثوري أو الحليف الأقوى هنا كتائب حزب الله.
وارى أن البيان الأخير لكتائب حزب الله هو نتيجة لزيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قآاني للعراق واجتماعاته مع قادة الفصائل حيث مارس ضغطا كبيرا للحيلولة دون تفاقم الأوضاع، وبما لا يقبل الشك أن هناك حالة خوف حقيقية في الأوساط الإيرانية (العسكرية والسياسية) ومحاولة تنصل إيران عن المسؤولية حيث أصدرت الخارجية الإيرانية بيانا وصفت فيه اتهام طهران بالوقوف وراء الهجوم بأنه "باطل" مؤكدة أن "الاتهامات لا أساس لها، وهي مؤامرة لمن مصلحتهم جر أميركا إلى معركة بالمنطقة"، وأضافت أن "قوات المقاومة في المنطقة لا تتلقى الأوامر منا وتتخذ قراراتها للدفاع عن الشعب الفلسطيني بشكل مستقل"، وهذا يعني ان عملية ضرب البرج (22) وكأنها ناشئة عن قرارات مستقلة لهؤلاء الحلفاء.
وبناءً على تلك التهديدات أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه قلص نشر كبار ضباطه في سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية المميتة، وسيعتمد أكثر على فصائل متحالفة مع طهران للحفاظ على نفوذه هناك، لكن السبب الرئيس في هذا الانسحاب هو بسبب حالات الوشاية من ضباط ومخبرين سوريين إلى إسرائيل بمعلومات دقيقة عن الهدف وتوقيتاتها، لكن يجب أن نتحدث بواقعية وليست معتقدات فالقيادي الكبير عماد مغنية قتل مباشرة بعد خروجه من المخابرات السورية والقيادي مصطفى بدر الدين والقيادي سمير القنطار فضلا عن العشرات من القيادات الأخرى السورية والإيرانية واللبنانية، وهذا ما يشير إلى ان الحرس الثوري اتخذ القرار مضطرا لقناعته بصعوبة العمل في ظل التطورات العسكرية والسياسية، حيث قالت مصادر إيرانية إن قرار إيران سحب كبار الضباط مدفوع جزئيا بحرصها على ألا تنجر إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط وكما يقول المثل العربي "مكرها أخاك لا بطل".