هل انتهى الدعم الأميركي لأوكرانيا؟
مع فشل الكونغرس في إقرار تمويل أوكرانيا، تتصاعد التحذيرات من نفاد الأموال المخصصة لكييف قريباً، فاتهم البيت الأبيض الكونغرس بـ«تقديم أكبر هدية» للرئيس الروسي فلاديمير بوتن عبر رفض تمويل خصمه.
ولم تتمكن زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاستثنائية لواشنطن، ولا تحذيرات البيت الأبيض، من تغيير رأي المشرعين المصرّين على ربط أمن الحدود بتمويل الحرب في أوكرانيا، فغادروا واشنطن حتى العام المقبل من دون الموافقة على حزمة المساعدات التي طلبتها الإدارة منهم منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي تضمنت أكثر من 60 مليار دولار لأوكرانيا.
يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق» انعكاسات هذا الرفض على مسار الحرب، وإمكانية تخطي المشرعين لخلافاتهم قبل فوات الأوان، بالإضافة إلى تأثير هذه الاعتراضات على ثقة حلفاء أميركا بها.
غياب استراتيجية أميركية؟
تعرب لورا كيلي، مراسلة الشؤون الخارجية لصحيفة «ذي هيل»، عن اندهاشها من رفض المشرعين لتمويل أوكرانيا، مشيرة إلى تأكيدهم المستمر على أهمية الدعم الأميركي لكييف وتقول: «لقد قرروا احتجاز المساعدات لأوكرانيا كرهينة أثناء المحادثات الخاصة بالحدود، وبرأيي هذا أمر مثير للدهشة».
من ناحيته، يوجه دايف دو روش، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية والبروفسور في مركز الشرق الأدنى للدراسات الأمنية، اللوم للإدارة الأميركية في عدم عرض استراتيجيتها في أوكرانيا بطريقة واضحة للأميركيين، ما أدى إلى تراجع الدعم للحرب، وقال دي روش إن الالتزام بالحرب سيمتد على مدى «جيل بكامله»، داعياً الإدارة إلى أن تكون صريحة مع الشعب الأميركي، فأضاف: «الإدارة لم تعرض قضية أوكرانيا بطريقة استراتيجية أمام الشعب الأميركي على الأرجح؛ خوفاً من الانعكاسات السلبية عليها».
أما ديريك هانتر، المتحدّث السابق باسم السيناتور الجمهوري كونراد برنز، فيعتبر أن الإدارة «ليست لديها استراتيجية في أوكرانيا»، وفسر قائلاً: «لم يقدّم الرئيس خطاباً بارزاً عن أسباب أهمية هذا الدعم بأي شكل من الأشكال، وفي طلب التمويل الأخير ربط دعم أوكرانيا بالدعم لإسرائيل وخلط بين الخطابين...». وأضاف هانتر: «السؤال الذي يطرحه العديد من الجمهوريين وأعضاء الكونغرس هو: أين تذهب هذه الأموال؟ أرسلنا مبالغ طائلة إلى أوكرانيا. وإذا نظرنا إلى التزام طويل الأمد فإننا سنحتاج أكثر بكثير من تعبير أن (أوكرانيا تحتاج إلى التمويل وإلا فسيفوز بوتين). يجب أن نعلم المبلغ بالتحديد، والهدف منه... لا يمكن أن نستمر بتحرير شيكات على بياض».
ورفض هانتر تحذيرات البيت الأبيض من نفاد الأموال لأوكرانيا، مشيراً إلى أن الإدارة تستطيع تجيير أسلحة من مرافق أخرى لدعم كييف، كما أن «الدول الأوروبية تستطيع أن تتدخل في أي لحظة لسد الفراغ، بينما تمارس الولايات المتحدة المسار التشريعي التقليدي».
لكن كيلي عارضت التعابير التي يستعملها المعارضون للتمويل حول «غياب الرقابة» و«الشيك على بياض»، معتبرة أن هؤلاء يتجاهلون التفاصيل التي تقدمها الإدارة والرقابة التي تفرضها، مضيفة: «لقد وقف الرئيس بايدن بجانب الرئيس زيلينسكي منذ أسبوع، وعرض لماذا يصب دعم أوكرانيا في مصلحة أميركا، كما أن زيلينسكي طلب دفاعات جوية لحماية البنية التحتية الحرجة التي تستهدفها روسيا وقدرات هجومية أكبر».
بدوره، نفى دي روش، الذي عمل في وزارة الدفاع، أن «البنتاغون» يستطيع «منح المال لأوكرانيا من دون موافقة الكونغرس، مضيفاً: «وزير الدفاع يستطيع توفير المعدات وليس المال، فلديه سلطة أحادية لسحب بعض الإمدادات، وهذه هي الطريقة التي وفرنا بها المعدات خلال الأيام الأولى من الحرب». لكن دي روش اعتبر أن المشكلة هي أن «معظم هذه الإمدادات قد تم سحبها، ويبقى القليل فقط، والكثير منها يحتاج إلى التمويل ليصبح مؤهلاً للاستخدام في المعارك».
وسلّط دي روش الضوء على تحد آخر، وهو تدريب القوات الأوكرانية على المعدات الأميركية، مضيفاً: «إن الأمر لا يتوقف فقط على تدريب الطيارين وسائقي الدبابات، بل التدريب على الصيانة».
أزمة الحدود و«شبح ترمب»
يصرّ الجمهوريون في الكونغرس على ربط أمن الحدود بتمويل الحرب في أوكرانيا، محذرين من أن أزمة الحدود باتت تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، ويشدد هانتر على ضرورة أن «تدافع الولايات المتحدة عن نفسها كذلك» فيقول: «يجب أن نحمي حدودنا أيضاً. ينظر الشعب الأميركي إلى عشرات مليارات الدولارات التي تستخدم لحماية حدود أوكرانيا، ونحن لسنا ضد هذا الأمر لكن من جهة أخرى يشاهدون تدفقاً هائلاً للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود...». ويعتبر هانتر أن هذه القضية ستتفاعل في الموسم الانتخابي، مشيراً إلى أن الوقت مناسب الآن للحصول على تنازلات من الإدارة لحل أزمة الحدود عبر ربطها بتمويل أوكرانيا.
من ناحيته، يعتبر دي روش أن أزمة الحدود تتفاعل اليوم في الولايات المتحدة لأن الأميركيين في الولايات غير الحدودية باتوا يشعرون بها، فقال: «إن أزمة الحدود التي اقتصرت على ما نسميه في واشنطن بـ(الدولة البعيدة) (أي الولايات الحدودية)، يمكن الشعور بها حالياً في شيكاغو ونيويورك وواشنطن وبوسطن. والإدارة الآن تقطف الثمار المرّة لعدم الدفاع عن قضاياها أمام الشعب الأميركي».
وأشار دي روش إلى أن أمن الحدود هو من أبرز التحديات الأمنية في الولايات المتحدة منذ الثمانينات، معتبراً أن الرئيس الأميركي جو بايدن تردد في التصدي لهذه الأزمة؛ لأنه «يخشى من شبح دونالد ترمب»، ويفسر قائلاً: «لقد اعترض على كل ما كان يدعمه ترمب، وسيكون من الصعب عليه تغيير ذلك».أما كيلي فتشكك في احتمالات التوصل إلى اتفاق يرضي كل الأطراف حول أمن الحدود، التي تعد من أكثر القضايا حساسية في البلاد، فتذكّر بمواقف أعضاء مجلس النواب التي تعدّ أكثر تشدداً من مواقف أعضاء مجلس الشيوخ، وتقول: «سيعد ذلك امتحاناً مهماً بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، ومن غير الواضح ما إذا كان يتمتع بالنفوذ اللازم للالتزام بالتسوية التي قد يتوصل إليها مفاوضو مجلس الشيوخ». وتضيف كيلي: «إذا وافق مجلس الشيوخ على هذا القرار، ماذا سيكون موقف جونسون؟ هل سيرفضه إن لم ينل الدعم اللازم في صفوف قاعدته، أم هل سيقول: يجب أن نوافق على هذا الاقتراح للتقدم في مسائل تتعلق بالمساعدات إلى أوكرانيا وإسرائيل إلى دول المحيط الهادي أيضاً؟».
الشرق الاوسط