• Wednesday, 25 December 2024
logo

القوات الأميركية بين قرار الخروج ومنح الحصانة

القوات الأميركية بين قرار الخروج ومنح الحصانة

سيف السعدي

 

قبل قرار خروج القوات الاميركية من العراق تم عقد اتفاقية الاطار الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الاميركية بموجب قانون رقم (52) لسنة (2008)، وتم التصويت عليها داخل مجلس النواب عام (2009)، المادة الثلاثون/4 من الاتفاقية نصت على "يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم الأول من كانون الثاني (2009)، بعد تبادل الطرفين المذكرات الدبلوماسية المؤيدة لاكتمال الإجراءات اللازمة لدى كل منهما لتنفيذ الاتفاق وفقا للإجراءات الدستورية النافذة لدى الطرفين"، هذه الاتفاقية عقدت بشروط أميركية عكس ما يتحدث البعض بإنها كانت مذلة للاميركان، لاننا إن رجعنا للمادة الرابعة/ 1 من الاتفاقية تنص على "تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق"، كما أشارت المادة الرابعة/ 5 على "يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق كما هو معرف في القانون الدولي النافذ"، وهذا يعني أن هذا البند منح القوات الاميركية حق الرد داخل الاراضي العراقية إذا تعرضت للهجوم أو القصف من أي عناصر وضمن القانون الدولي النافذ الذي أتاح حق الدفاع عن النفس، بينما المادة السادسة/ 2 من الاتفاقية نصت على "يصرح العراق بموجب هذا الاتفاق لقوات الولايات المتحدة بأن تمارس داخل المنشآت والمساحات جميع الحقوق والسلطات التي قد تكون ضرورية لإنشاء واستخدام وصيانة وتأمين تلك المنشآت والمساحات ، ويقوم الطرفان بالتنسيق والتعاون فيما بينهما بشأن ممارسة تلك الحقوق والسلطات في المنشآت والمساحات ذات الاستخدام المشترك"، لذلك وفق هذه الاتفاقية فإن العراق قد منح القوات الاميركية حق تحصين وبناء داخل المنشآت آنفة الذكر وليس كما يروج بإنها تحت سيطرة القوات العراقية، لان الفقرة 3 من نفس المادة نصت على "تتولى قوات الولايات المتحدة السيطرة على دخول المنشآت والمساحات المتفق عليها المخصصة لاستخدامها حصريا"، اما المادة السابعة منحت القوات الأميركية حق تخزين المعدات الدفاعية والتي نصت على "لقوات الولايات المتحدة أن تضع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها وفي مواقع أخرى مؤقتة يتفق عليها الطرفان معدات دفاعية وتجهيزات ومواد تحتاجها قوات الولايات المتحدة على صلة بالنشاطات المتفق عليها بموجب هذا الاتفاق"، كما ان المادة الثالثة عشر من الاتفاقية منحت القوات الأميركية حيازة وحمل السلاح فضلاً عن ارتداء الزي العسكري الاميركي اثناء فترة تأديتهم الواجب داخل العراق.

بعد خروج القوات الاميركية من العراق عام (2011) دخلت اتفاقية الاطار الستراتيجي حيز التنفيذ، وحصلت عدة مشكلات سياسية واجتماعية وامنية داخل العراق نتيجة وجود احتقان سياسي، فضلاً عن التراشق بالخطاب الطائفي مع توفر عوامل الصراع في عهد حكومة المالكي الذى ادى الى سقوط ثلاث محافظات واجزاء من كركوك وديالى والتهديد وصل إلى تخوم العاصمة بغداد بالتزامن من انهيار القطعات الأمنية والعسكرية، الأمر الذي تطلّب تدخلًا عاجلًا وفوريًا للقوات الاميركية ولاسيما الدعم والاسناد الجوي من أجل إيقاف تمدد داعش الإرهابي ولكن الاستجابة لم تكن سريعة لأن الإدارة الأميركية كانت تريد اتفاقية تمنح القوات الاميركية حصانة مثل التي تمنح لموظفي السفارات، من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية من قبل داعش وفعلاً حصلت موافقة رئيس الحكومة العراقية السيد المالكي بتاريخ 22 حزيران (يونيو) 2014 وقام كلٌ من وزير خارجية العراق ممثلاً عن حكومة السيد المالكي والسفير الأميركي ممثلاً عن إدارة اوباما وهذه الوثيقة تحمل الرقم (NO.14-01328) سري، والتي نصت على "تهدي سفارة الولايات المتحدة الأميركية اطيب تحياتها إلى وزارة الخارجية لجمهورية العراق ونتشرف بإن تشير إلى المناقشات التي جرت مؤخراً بين ممثلي حكومتنا بخصوص المسائل المتعلقة بشأن الموظفين/ الافراد العاملين الاميركيين (المُعرفين بافراد من القوات المسلحة الأميركية والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على التوالي، والذين يشار لهم فيما يلي مجتمعين باسم الافراد العاملين الأميركيين)، والذين سوف يتواجدون بصورة (مؤقتة)، في العراق وذلك بسبب الوضع الحالي في العراق وغيرها من الأنشطة حسب الاتفاق عليها من قبل الطرفين"، لذلك من منح القوات الأميركية الحصانة والامتيازات هو السيد المالكي وفق معطيات هذه الوثيقة التي نصت على "وكنتيجة لهذه المناقشات تقترح السفارة الأميركية بأن تُمنح للافراد العاملين الأميركيين الامتيازات والإعفاءات والحصانات المساوية لتلك الممنوحة للموظفين الإداريين والتقنيين للبعثة الدبلوماسية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 أبريل 1961، والتي تسمح للموظفين الأميركيين بدخول العراق والخروج منه مستصحبين للوثائق التعريفية الشخصية وتصاريح العمل الأميركية، وأن يكون أفراد القوات المسلحة الأميركية مخولين بارتداء الزي الرسمي أثناء أداء المهام الرسمية، وحمل السلاح أثناء تأدية الواجب إذا كانوا مخولين بعمل ذلك وفقاً للأوامر"، هذه الوثيقة السرية عززت صلاحيات إتفاقية الإطار الستراتيجي لصالح القوات الأميركية ، مثلما اشارت في الجزء الاخير "إذا كان ما تقدم مقبولاً من قبل حكومة جمهورية العراق، فإن السفارة الأميركية تقترح بأن تكون هذه المذكرة ومذكرة الوزارة الايجابية رداً على هذا الشأن تشكل إتفاقية بين الحكومتين (تعزيزاً للقسم ✖من إتفاقية الإطار الستراتيجي لعلاقة التعاون والصداقة بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية العراق)، وفق كل ما تقدم من صلاحيات وحصانة وامتيازات هذه الاتفاقية ليست مذلة للأميركان وإنما جاءت بشروط أميركية.

البعض من الشخصيات تطرح وباستمرار موضوع تصويت مجلس النواب على قرار اخراج القوات الاميركية من العراق بتاريخ (5/ 1/ 2020)، وهنا لابد من الاشارة إلى أن هذا القرار ليس له أثرا قانونيا، وهو بمثابة التوصية أو الاقتراح على الحكومة وليس إلزام، لأن مهمة مجلس النواب هو اصدار التشريعات والقوانين من ثم المراقبة، اي بمعنى اي مشروع قانون يحتاج إلى مراحل دستورية داخل مجلس النواب، يحتاج جلسة أولى وتعديل أو حذف أو اضافة، من ثم جلسة ثانية، من ثم جلسة ثالثة للتصويت على القانون بشكل كامل، وهذا لم يحصل مع هذه القرار وهو جاء في فترة من أجل امتصاص غضب الشارع بسبب حادثة المطار، والمادة 60 من الدستور تنص على اولاً "مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء" ثانياً "مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة"، لذلك عندما انتهت مصلحة وجود القوات الأميركية صوت ممثلو المكون الشيعي على قرار يتمثل باخراج القوات الاميركية من العراق مع تحفظ المكون السُني والكوردي، لأن حكومة السيد المالكي عندما طلبت من القوات الاميركية بالعودة من أجل المساعدة للقضاء على داعش الارهابي كانت عن طريق وثيقة سرية وبامتيازات وحصانة عالية لم يتم أخذ رأي ممثلي المكونات مثل السُنة والكورد، فهو من يتحمل مسؤولية بقاء القوات الأميركية، اما تصريحات بعض "المأجورين" بمنح صفة الوطنية لمكون دون آخر بسبب الامتناع عن التصويت ما هو إلا تشويه للحقائق، لأنهم يتكلمون برواية وليس دراية وغير مطلعين على الوثائق وإنما عن طريق التلقين من فواعلهم السياسية.

 

 

 

روداو

Top