• Saturday, 27 July 2024
logo

المنطق المُعطل

المنطق المُعطل

شاكر الجبوري

 


تحولت المواجهة بين اسرائيل وحماس الى مزايدات سياسية لا تغني عن جوع، فالتهجير على أشده وموازين القوة على الأرض لا علاقة لها بتكتيكات المواجهة العسكرية التقليدية، ليكون الخاسر فيها على المدى المنظور هو شعب غزة دون غيره.

نسمع مواقف ترهب الجبال في الهواء الطلق، لكنها لم تُحدث فجوة سنتيمترات بأرض المعركة، التي يقول الجميع انهم سمعوا بها من وسائل الاعلام، بمعنى آخر أن حماس اتخذت قرار الحرب والسلم بقناعاتها، وهو أمر مرعب اذا صحت روايته لأنه يغامر بحقوق أمة تعودت الخسائر على رقعة الشطرنج العسكري منذ 1967، حتى لو استعادوا في تشرين 1973 بعضاً من التوازن المعنوي الى حين.

وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يروج لها البعض عبر عمليات بيع كبيرة للأسهم في أسواق اسرائيل قبل أيام من هجوم 7 تشرين الأول، أو استنساخ مشهد الكابيتول عام 2001، وما نجم عنهما من تغيير لتوزيع خارطة النفوذ بالعالم.

نقول ان بين التشرينين هناك نصف قرن من مسارات باتجاه واحد يعرف الجميع أن محطاته فارغة من توقيتات، على غرار هدنة الأيام العشرة التي ذهب بها الجمل بما حمل، وتعطلت معها لغة الكلام، حسبما توقعها الشاعر أحمد شوقي.

يموت العرب لتحيا القيادات في ذاكرة الزمن المثقوب، يجوع الناس كي ينام الزعيم قرير العين، ويأتي فوضوي ليسألك عن أسباب الهزيمة في النفوس! لا يوجد عالم سياسي مثالي في جميع بقاع الدنيا الديمقراطية و لأحادية التفكير، لكن ليس من المعقول فشل أمة في حسم خياراتها على كيلومترات من الجغرافيا المتحركة بإرادة غيرهم.

لم يسألوا الفلسطينيين عن رأيهم بخيار حماس العسكري ومدى استعدادهم للموت والتهجير تحت رايتها، مثلما أهملوا رأيهم في اتفاقيات أوسلو وأخواتها السرية، مثلما لم يتوقف هدير الطائرات الحربية باتجاه واحد. الغرور شيء مختلف عن توريط الناس بخيار الموت أو التهجير، لأنه تحت القصف يستحيل سماع رأي العقل.

لا ايران مستعدة للمواجهة المسلحة مع أميركا ولا السلطة الفلسطينية جاهزة لمنافسة حماس على حكم غزة، ولا رغبة شعبية عربية لتكرار تجربة حكم الاسلاميين وكل ما غير ذلك ضحك على الذقون، حتى لو أنجبت مفاوضات الدوحة سلاماً مؤقتاً، والحقيقة التي لا ترغب أذان العرب سماعها هي عدم استعدادهم لأي خيار عسكري لم يستشيرهم أحد فيه قبل وقوعه، وكل ما غير ذلك تصريحات مجاملة لشارع محلي تائه بين التبرير والتطبيل وقراءة الطالع على رمال متحركة.

التظاهرات المليونية لم تمنع حرب العراق قبل ثلاثين عاماً ولن توقف دمار غزة، لأن للحكام وجهات نظر أخرى في التوازن الستراتيجي بكل مسمياته الاقتصادية و الأمنية و الدينية، وطالما ظلت خطوات النصف خطوة هي معيار النجاح فان أهل غزة سيبقون بلا ماء ولا غذاء ولا دواء، وحتى يستوعب العرب أن أمن المنطقة وثرواتها ليست ملكاً لهم وحدهم فان منعطفات مسار الجيوبولتيك ستزداد تعقيداً، ويصعب معها التفكير باستقرار بين أمواج البوارج الحربية.

ستبقى صناعة السلام من اختصاص القادة العقلاء لا المغامرين السياسيين في ربيعهم الأول، والفرق أكبر بين الشعارات الحماسية واستحقاقات الأمر الواقع.

 

 

 

روداو

Top