• Tuesday, 24 December 2024
logo

الاستثمار والفساد أمام الأمم المتحدة

الاستثمار والفساد أمام الأمم المتحدة

سهاد طالباني

 

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 22 أيلول 2023، أشار رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني الى أن العراق قد "صارَ بيئةً آمنةً تجذبُ المستثمرين إلى فرصٍ واعدةٍ كبيرة"، وأكد ان البيئة الاستثمارية في العراق قد تطورت "لتنفتحَ على الاقتصادِ العالمي وعلى الشراكاتِ المُثمرة، وجرى توقيعُ العديدِ من الاتفاقياتِ في قطاعاتٍ مختلفة".

وهنا لا بد من الإشارة الى ان الارقام قد تدعم هذا التأكيد، ففي عام 2022 بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العراق حوالي 1.6 مليار دولار، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، بزيادة بنسبة 35% عن العام السابق، لكنها لاتزال أقل بكثير من المستويات التي تطمح لها الحكومة وفق التصريحات الرسمية التي تتحدث عن استهداف جذب عشرة مليارات دولار كاستثمار اجنبي مباشر بحلول العام 2025، أي خلال عامين من الان، مع الإشارة الى ان الاستثمار الأجنبي في العراق يتركز بالدرجة الأولى في قطاع النفط والغاز ويليهما قطاع الاتصالات، وهو مؤشر لعدم تنوع القطاعات الاقتصادية المرغوبة من قبل الاستثمار الأجنبي.

وبالعودة الى كلمة رئيس الوزراء، وعلى الرغم من انه لم يتحدث عن التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي في العراق، الا انه تحدث عن الفساد مباشرة بعد حديثه عن جهود الحكومة في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية، قائلا أن الحكومة قد جعلت محاربة "جائحة الفساد" على رأس أولوياتها.

وهنا لا بد ان اتفق مع السيد رئيس الوزراء، حيث لا يمكن اغفال التحدي الكبير الذي يشكله الفساد امام قدرة العراق على جذب الاستثمارات الأجنبية، فبالإضافة الى تحديات أخرى مهمة مثل ضعف البنية التحتية والبيروقراطية وقلة الكفاءات المحلية، يظل الفساد تحديا كبيرا امام الدولة العراقية وقدرتها على جذب المستثمر الأجنبي.

وفقا لمؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، يحتل العراق المركز 157 من بين 180 دولة، وهو مركز متأخر جداً، كما حقق العراق مؤشر 22 من 100 فيما يتعلق بتفشي الفساد وغياب الشفافية في العام 2022، وهو مؤشر يعني ان العراق هو من أكثر الدول التي تعاني من الفساد وضعف الشفافية.

هذه المؤشرات يجب ان تشكل جرس انذار، حيث يمكن أن يكون للفساد عدد من العواقب السلبية على المستثمرين الأجانب، حيث يمكن ان يزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، ويقلل من الأرباح، ويخلق حالة من عدم اليقين، مما قد يؤدي الى تخوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في العراق في المقام الأول. وتؤكد ذلك دراسة أجراها البنك الدولي وجدت أن الفساد يمكن أن يقلل الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تصل إلى 20%، وذلك لأن المستثمرين الأجانب أقل رغبة في الاستثمار في البلدان التي يرون فيها أن الفساد يشكل مخاطرة عالية.

وعلى سبيل المثال، قد يُطلب من شركة نفط أجنبية دفع رشوة لمسؤول حكومي من أجل الحصول على ترخيص للعمل في البلاد، او لممارسة اعمالها في مناطق معينة، او قد تتعرض شركة إنشاءات أجنبية للابتزاز من قبل مسؤولين فاسدين يهددون بتأخير أو إلغاء مشاريعها ما لم تدفع رشوة، ويضاف الى ذلك امثلة أخرى كثيرة، جميعها تجعل الاستثمار في العراق محفوفا بالمخاطر من وجهة نظر المستثمرين، خاصة إذا تحدثنا عن المستثمرين المؤمنين بالشفافية والحكم الرشيد.

ولذلك فانه بالإضافة إلى تحديات الأمن وعدم الاستقرار السياسي ونقص البنية التحتية، فإن الفساد عقبة رئيسية أمام الاستثمار الأجنبي المباشر في العراق. ويحتاج المستثمرون الأجانب إلى أن يكونوا على دراية بمخاطر الفساد واتخاذ خطوات للتخفيف منها. ومع ذلك، إذا تمكنت الحكومة العراقية من إحراز تقدم في الحد من الفساد، فسوف تكون هذه خطوة رئيسية نحو جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد.

بالتأكيد لا يمكن القضاء على "جائحة الفساد"، كما وصفها رئيس الوزراء في كلمته، بين ليلة وضحاها، وبالتأكيد فان أي خطوة على طريق مكافحة الفساد هي خطوة مطلوبة ومرحب بها، ولذلك على الحكومة العراقية ان تسعى بكل ما اوتيت من قوة الى تحويل سياسات مكافحة الفساد الى واقع على الأرض، وهنا لا بد من الإشارة الى ضرورة القيام ببعض الخطوات الرئيسية المرتبطة بمكافحة الفساد وجذب الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها تعزيز الشفافية والمسائلة في جميع مستويات الحكومة، وهذا يشمل نشر المعلومات العامة حول الإنفاق الحكومي وعمليات صنع القرار، وإنشاء آليات للمساءلة، وتحسين كفاءة النظام القانوني من أجل ضمان سيادة القانون وحماية حقوق المستثمرين، وهذا يشمل إصلاح أنظمة المحاكم وتعزيز استقلال القضاء، إضافة الى تعزيز مشاركة المجتمع المدني في مكافحة الفساد، حيث يمكن للمجتمع المدني لعب دور مهم في الكشف عن الفساد وتعزيز المساءلة.

 

 

 

روداو

Top