• Monday, 23 December 2024
logo

الكوردستاني مواطن من الدرجة الثانية

الكوردستاني مواطن من الدرجة الثانية

طارق كاريزي

 

من هذا المنطلق تماما تعاملت الحكومات العراقية المتعاقبة مع المواطن الكوردستاني العراقي ومازال هذا المنطق سائدا بكل قوّة. الحكومة العراقية الحالية والقوى السياسيّة التي تتحكم بمقدرات البلد الآن، تنظر الى الكوردستاني كمواطن من الدرجة الثانية، وطالما يتعذر حاليا اخضاعه بالعنف وقوّة السلاح، اذن لابد من اتخاذ أساليب أخرى لأذلال شعب كوردستان واخضاعه لمشيئة بغداد.

صفحات الماضي القريب مؤلمة، الإبادة والتمييز العنصري والضرب بالأسلحة المحرمة دوليا ومصادرة الأراضي والاستيلاء عليها والتعريب وقمع الحريات واتباع سياسة الصهر كرها، هي عناوين لسياسة القهر والقمع التي اتبعتها الحكومات السابقة لعام 2003، فيما الحكومة الحالية تتبع ذات المسار وتنظر لإقليم كوردستان وشعبه كتابع غير مرغوب فيه يجب محاربته بشتى الطرق والأساليب حتى يذعن ويخضع. بل ان بعض الأساليب التي تتبعها الحكومة الحالية تتخطى الذي مارسته الحكومات التي سبقت عام التغيير 2003 من حيث مديات وسعة أفق القمع والاضطهاد الذي تمارسه ضد أبناء إقليم كوردستان.

العلاقة بين بغداد وشعب كوردستان تم تأطيرها بموجب دستور عام 2005، تصرفات الحكومة العراقية واجراءاتها ضد شعب كوردستان تثب يوميا بأن الدستور ليس الا لائحة ميتة من وجهة نظر الحكومة العراقية والقوى السياسية التي تتحكم بالمشهد العراقي، يتم اللجوء اليه انتقاء وبالضد من مصلحة وحقوق شعب كوردستان. إقليم كوردستان أثبت لأكثر من مرّة قدرته على إدارة شؤونه في مختلف نواحي وقطاعات الحياة بضمنها القطاع الاقتصادي، لكن الحكومة العراقية ترفض ممارسة كوردستان لاستقلالها الاقتصادي وتتحجج بالدستور لضرب خطط الإقليم لممارسة الاستقلال الاقتصادي وتطوير بناه الخدمية والتحتية والانمائية، وفي المقابل فان الحكومة الاتحادية غير مستعدة للايفاء بالتزاماتها القانونية حيال إقليم كوردستان.

أغرب صور الحرب الاقتصادية التي تمارسها الحكومة العراقية ضد إقليم كوردستان، هو حجبها الاستحقاقات المالية للإقليم. تشكل إيرادات البترول العمود الفقري لاقتصاد العراق وإقليم كوردستان، وبعد تسليم ملف نفط كوردستان الى الحكومة العراقية والتوصل الى اتفاقات نهائية حول الموازنة العامة وحصة الإقليم منها، كان من المفروض أن تلتزم وأن تقوم الحكومة العراقية بارسال حصة الإقليم من الموازنة، لكن بغداد تمارس المماطلة والتسويف حيال تسديد استحقاقات الإقليم وتتخذ من ذلك ورقة ضغط للتضيق على حكومة وشعب كوردستان.

شهادة نقولها للتاريخ، العهد الذي سبق عام 2003 كان أكثر مصداقية من حيث تعامله مع مواطني كوردستان. القتال بين القوات الحكومة والثوار الكورد اثناء الثورات الكوردية المتواصلة كان يجري على قدم وساق، لكن الحكومة العراقية لم تعاقب مواطني وموظفي كوردستان، بل وفّت بالتزاماتها حيالهم اسوة ببقية العراقيين، فيما الحكومة العراقية الحالية تعاقب شعب كوردستان بشكل جماعي في سلوك عدواني لا نضير له في أي دولة في العالم. وهذا يعطي الدليل على ان الحكومة العراقية في حرب غير معلنة ضد شعب كوردستان، وهي لا تعتبر مواطني كوردستان عراقيين أقحاح، بل هم خارج دائرة المواطنة ويستحقون التضييق وصولا الى فرض العقوبات الجماعية ضدهم. فالحكومة الاتحادية اذا التزمت بممارسة السلطة من موقع المسؤولية الأخلاقية حيال العراقيين دون تمييز، عندها تستطيع التعامل مع مواطني الإقليم اسوة ببقية العراقيين وخارج دائرة خلافاتها مع حكومة إقليم كوردستان والقوى السياسية الكوردستانية، لكن الكوردستاني من وجهة نظر الحكومة العراقية والقوى السياسية العراقية مواطن من الدرجة الثانية مشكوك في انتمائه ويستحق السحق والتدمير، ومن هذا المنطلق يجري الضغط عليه لاخضاعه ومن ثم اذلاله، وقبل ذلك وضع العثرات أمام عجلة تطور الإقليم وازدهار حياة سكانه.

سياسة اضطهاد شعب كوردستان والضغط عليه اقتصاديا لا يحطم ارادته في الحياة ولا يثنيه عن خياراته في الحرية. هذه السياسة المضادة والعدائية ضد هذا الشعب ستؤتي ثمارها بالضد من توقعات الحكومة العراقية والقوى السياسية المتحكمة حاليا بمقدرات البلد. لقد اجتاز شعب كوردستان فصولا عديدة من المخاض كانت أكثر قسوّة من مخاض حرمانه من مستحقاته المالية، وستدور الدائرة على المعادون لشعب كوردستان ويدفعون الثمن باهضا وبالنتيجة يخسر العراق مثلما خسر سابقا فرص التقدم والازدهار والاستقرار. استقرار وازدهار العراق مرهون باستقرار وازدهار كوردستان. أكثر من قرن من عمر الدولة، وحكام بغداد لا يفقهون هذه الحقيقة.

 

 

 

باسنيوز

Top