هل تؤثر ميكروبات الأمعاء على الذكاء؟
هناك محاولات حثيثة للربط بين مستويات بعض أنواع البكتيريا في أمعاء الإنسان، وبين الدرجات المتفاوتة من الذكاء، وكذلك الإصابة بالأمراض، وفقاً لنتائج الاختبارات في الرياضيات والاختبارات اللفظية. لكن من غير الواضح ما إذا كان يمكن للأشخاص تناول بعض المكملات الغذائية لتغيير بكتيريا الأمعاء لتحسين هذه المهارات أو لتجنب الإصابة بالمرض.
بكتيريا الأمعاء والذاكرة
ربط عدد من الدراسات مزيج البكتيريا في الأمعاء أو ما يسمى ميكروبيوم الأمعاء، بالذاكرة أو القدرة على التعلم. لكن، ومن جهة أخرى فقد يرجع هذا الارتباط إلى مستوى تعليم الأشخاص، الذي يؤثر على طبيعة خياراتهم الغذائية، مما يؤثر بدوره على الميكروبيوم.
ولفهم ما إذا كانت بكتيريا الأمعاء تؤثر بشكل مباشر على علامات الذكاء، أو ما إذا كان هناك ارتباط فقط بين الاثنين، أجرى تي لين يانغ، من كلية علوم الحياة والتكنولوجيا في جامعة زيان جياتونغ في الصين، وزملاؤه، تحليلاً للآثار السببية المحتملة لمجموعتين من بكتيريا الأمعاء تسمى فيوزيكاتينيبكتر «Fusicatenibacter»، وأوكسالوباكتر «Oxalobacter»، كما حللوا بيانات الميكروبيوم والجينوم التي جمعت سابقاً من أكثر من 18.000 شخص، حيث حددوا 10 متغيرات جينية جرى ربطها سابقاً بمستويات بكتيريا أوكسالوباكتر في أمعاء البشر، و14 متغيراً جينياً مرتبطاً بفيوزيكاتينيبكتر.
كما قاموا بتحليل نتائج الاختبارات الرياضية واللفظية وبيانات الجينوم لمجموعة منفصلة تضم أكثرمن 260 ألف شخص؛ لقياس ما إذا كانت المستويات البكتيرية تؤثر على درجات الذكاء، بدلاً من مجرد الارتباط بها.
وذكرت مجلة «نيو ساينتست» البريطانية أن الباحثين، الذين نشروا نتائج دراستهم في يونيو (حزيران) الحالي، حددوا أيضاً أكثر من 150 متغيراً جينياً ارتبطت بالمهارات الرياضية واللفظية، ثم بحثوا عن روابط بين هذه المتغيرات ومستويات البكتيريا، مما يشير إلى أن البكتيريا قد تؤثر بشكل مباشر على الذكاء.
ولكن كايتلين وايد من كلية طب بريستول «معهد بريستول لعلوم صحة الإنسان» جامعة بريستول، المملكة المتحدة، تقول إنه من غير المؤكد ما إذا كان بإمكان الناس يوماً ما زيادة مهاراتهم العقلية عن طريق تغيير مستويات البكتيريا في أمعائهم، ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان بإمكان الناس في النهاية تناول بكتيريا معينة كمكملات للتأثير على الذكاء
بكتيريا الأمعاء والأمراض
• بكتيريا الأمعاء وألزهايمر. أشارت مجموعة متزايدة من الأدلة، التي نُشرت في مجلة «نيتشر»، في 31 مارس (آذار) 2023، لفريق من الباحثين، برئاسة ديفيس كامان، من «معهد نيفادا للطب الشخصي» جامعة نيفادا، لاس فيغاس الأميركية، إلى أن أي خلل في التركيب البكتيري، أو تغيرات في أنشطة التمثيل الغذائي البكتيرية، أو تغيرات في التوزيع البكتيري في ميكروبيوم الأمعاء البشرية، يرتبط بالأمراض التنكسية العصبية، مثل مرض ألزهايمر، وذلك من خلال العمليات الالتهابية العصبية عبر محور ميكروبيوم الأمعاء والدماغ. كما تؤثر بكتيريا الأمعاء على صحة الدماغ، من خلال إفراز السموم والأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، والتي تنظم نفاذية الأمعاء وعدد من وظائف المناعة.
وتشير الدراسات الرصدية إلى أن مرضى ألزهايمر قلَّ لديهم تنوع الميكروبيوم، مما قد يسهم في التسبب بالمرض. وقد يشير الكشف عن الأساس الجيني للوفرة الميكروبية، وتأثيرها على ألزهايمر، إلى تغييرات في نمط الحياة، مما يقلل من خطر إصابة الفرد بالمرض، كما أن العوامل الوراثية للمضيف التي تؤثر على وفرة عشرة أجناس، مرتبطة بشكل كبير بمرض ألزهايمر. وقد تكون هذه الأجناس بمثابة مؤشرات حيوية وأهداف لعلاج مرض ألزهايمر.
• بكتيريا الأمعاء والسمنة. تُعدّ السمنة مشكلة صحية كبيرة على نطاق عالمي، وهي مسؤولة عن أكثر من 60 في المائة من الوفيات المرتبطة بارتفاع مؤشر كتلة الجسم. وقد أكدت الدراسات الحديثة، التي قامت بها دوروتيا زاليج، من كلية العلوم الصحية، جامعة بيكس في المجر، وزملاؤها، في البحث المنشور بمجلة «أبلايد ساينسز»، في العدد 13 في 2 يناير (كانون الثاني) 2023، الأهمية المتزايدة لميكروبات الأمعاء في السمنة، وأن تغيرات ميكروبيوم الأمعاء تؤثر على توازن الطاقة للكائن الحي المضيف، أي كعامل يؤثر على إنتاج الطاقة من النظام الغذائي، وكعامل يؤثر على جينات المضيف التي تنظم إنفاق الطاقة وتخزينها.
كما يتميز تكوين ميكروبيوم الأمعاء بالتنوع المستمر، ويتأثر بعدد من العوامل الغذائية، مما يشير إلى احتمال أن يؤدي التلاعب بالميكروبات المعوية إلى تعزيز الميل إلى السمنة أو منع حدوثها. أما العوامل التي تؤثرعلى تكوين ميكروبيوم الأمعاء فتشمل النظام الغذائي، والمكونات الغذائية، ونمط الحياة والبيئة. وخلصت الدراسة إلى أن الاستراتيجيات الممكنة للوقاية من السمنة أو علاجها تكمن في استعادة أو تعديل تركيبة الجراثيم عن طريق استهلاك البروبيوتيك والأطعمة المخمرة والفواكه والخضراوات، وتجنب الأطعمة ذات الأصل الحيواني التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة والسكر.
• بكتيريا الأمعاء وصحة الفم. في دراسة سابقة نُشرت في مجلة «بحوث طب الأسنان»، في فبراير (شباط) 2023، يقول يوكو كوريشيما، من «مركز علم الأوبئة الجينية»، كلية علوم دورة الحياة كينغز كوليدج، لندن، المملكة المتحدة، إن الهدف منها هو تقييم الارتباطات بين مجموعة من المتغيرات الجينية المضيفة، والتركيب الميكروبي في كل من اللعاب والأمعاء، لكن نتائج الدراسة لم توفر سوى دليل محدود يصف كيفية تأثير المتغيرات الجينية للمضيف على تكوين الكائنات الحية الدقيقة. وقد ظهر الاختلاف بين جراثيم اللعاب والأمعاء لدى الأفراد، بشكل ملحوظ، في حالات أمراض اللثة والأمراض الأخرى التي تصيب الفم.
الشرق الاوسط