الحل يكمن بدعم القوى المدنية والديمقراطية
جواد ملكشاهي
لا يختلف اثنان ان العراق ومنذ تأسيسه في عام 1921 كنتاج للحرب العالمية الأولى خطى خطوات كبيرة في مجال تأسيس الاحزاب والمنظمات والجمعيات السياسية والثقافية والأجتماعية ومر بمنعطفات كبيرة من صراعات سياسية داخلية وحروب اقليمية وتشكيل حكومات مختلفة في العهد الملكي، وما تلاه في العهد الجمهوري والى اليوم ماتزال هناك صراعات قومية ومذهبية بين قوى سياسية بأيديولوجيات مختلفة وانعدام الثقة مستمرة.
لذلك في كل انتخابات او اتخاذ قرار مصيري تبدأ الحملات الاعلامية المتبادلة وعمليات التسقيط ولي الأذرع وحتى كسر العظم من خلال وسائل الاعلام والمنصات المختلفة للنيل من الخصوم، ولذلك العملية الديمقراطية في البلاد رغم مرور عشرين عاماً على التغيير ماتزال عرجاء ولم تعطي اكلها كما في الدول الاخرى المشابهة للوضع العراقي.
لست بصدد اجراء مقارنة للعملية الديمقراطية في العراق مع الدول التي لها باع طويل في بناء وترسيخ هذا النظام كالدول الأوربية والولايات المتحدة والهند وغيرها، بل اريد مقارنته مع دول الجوار على سبيل المثال تركيا بوصفها دولة كبيرة والكويت التي تعد اصغر دولة في المنطقة والتي اعلنت استقلالها في 11 تشرين الثاني من عام 1962 بعد الخروج من معاهدة الحماية البريطانية في 19 تموز من عام 1961.
ما اثار انتباهي خلال الشهر الماضي هو اجراء انتخابات برلمانية في تركيا والكويت في اجواء تنافسية وحملات دعائية بين القوى السياسية افضت الى نتائج معينة، في تركيا وبسبب تقارب عدد الأصوات بين الائتلاف الذي تزعمه حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان وزعيم ائتلاف المعارضة كمال كليشدار اوغلو، جرت جولة جديدة من الانتخابات وحسمت النتائج لحزب اردوغان والقوى المؤتلفة معه.
واللافت في الامر انه بعد ساعات من غلق صناديق الاقتراع، تمت عمليات العد والفرز واعلنت النتائج الاولية ولم تمض ساعات اخرى حتى اعلنت النتائج النهائية، وبسبب عدم حسم الامر لأحد الطرفين المتنافسين، جرت جولة ثانية من الانتخابات وحسم الامر، اي ان اجراء الجولتين الاولى والثانية من الانتخابات وعمليات العد والفرز التي بدأت في 15 ايار وانتهت في 28 ايار حسمت في اقل من اسبوعين.
وفي الكويت الدولة الصغيرة المجاورة والتي اعلنت عن استقلالها قبل 62 عاما فقط جرت عمليتي اقتراع لاختيار 50 عضوا لمجلس الأمة خلال تسعة اشهر فقط، الأولى في 29 ايلول من العام الماضي (2022) والثانية في 6 حزيران الجاري حيث اعلنت النتائج النهائية في اليوم التالي، اي في 7 حزيران وبعدها مباشرة اعلن مجلس الوزراء عن بدء الفصل التشريعي الجديد في 20 حزيران 2023.
اما في العراق الوضع مختلف تماماً حيث نرى في كل عملية انتخابية صراعات وحملات دعائية تسقيطية بين القوى السياسية وبكل الوسائل المتاحة، ليس من اجل مصلحة البلد وخدمة الشعب بل من اجل ضمان مصالح دول اجنبية لها مصالح في العراق، لذلك عادة عمليات العد والفرز واعلان النتائج في العراق تستغرق عدة اشهر وربما اكثر من عام وذلك يعود لأسباب عديدة منها فقدان الثقة مابين القوى السياسية التي غالبيتها لا تمتلك الارادة والقرار المستقلين بسبب ارتباطها بأجندة اجنبية، فضلا عن سعيها لخلق روح العداء والكراهية بين المكونات واثارة النعرات الطائفية والعنصرية كون وجود وديمومة تلك القوى مرتبط بالأزمات والتوترات ولا يمكنها العمل في بيئة واوضاع مستقرة وهادئة.
وعليه فإن الحل الوحيد لخلاص العراق من الاوضاع الشاذة والمأزومة الحالية وترسيخ حقيقي للنظام الديمقراطي يكمن في ابتعاد الجماهير عن القوى الطائفية والشوفينية ودعم القوى المدنية والديمقراطية التي وحدها تتمكن من بناء بلد آمن مستقر وتوفير حياة حرة كريمة للشعب بجميع الوانه القومية والدينية من دون تمييز.
روداو