الزعامة و الحكم
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني
ليست الزعامة و الحكم من نفس واحدة وان اكملت الاخرى طريقها لمكانة الثانية، فالزعامة قد تصل للحكم بمفهومه السياسي و كذلك الحكم قد يصير زعامة، لكن الزعامة اصعب و مسؤولياتها التاريخية اخطر، والناس في الاغلب تميل للزعامة شخصا لما في الزعامة من رمزية مرتبطة بشخص و معه جماعة يدّعون و يبرهنون على حقهم و شرعية وجودهم و حق ووجود منقوصين او معدومين لمن يمثلونهم عرقا او دينا او مذهبا او فكرا.
قلت: ان الزعامة قد تصل للحكم، و العكس يصح، وقد يجتمعان ايهما سبقت الاخرى، الزعامة قبل الحكم او الحكم قبل الزعامة، لكن الزعامة اسبق، فالزعيم مسموع الامر من مؤيديه، بعكس من يصل او يجري ايصاله للحكم، كما في الانتخابات النزيه التي يتقدم فيها غير المنتمي للون حزبي فيأخذ طريقا تشريعيااو تنفيذيا ليكمله لاحقا لمواقع ووسط احداث و بيئة يتمكن فيها من التصير زعيما، ومع ذلك تبقى الاصالة في الزعامة التي ولدت اولا اقوى و ابقى من زعامة تصنع بعد الحكم.
كل المجتمع الانساني كان فيه من الامثلة على ما تقدم من الزعامة و الحكم كثيرا من الاسماء و الشواهد، وفي بعض الخرائط السياسية و الاجتماعية لازالت ظروف الشرق، بل الادق المصالح الدولية الكبرى التي تصطنع الصراعات، لازالت تواجه من قبل الضحايا و من قبل الذين لا يريدون ان تتكرر عليهم مآسي السياسات المصلحية، لازالوا يتسلحون بالزعامة التي يثقون بها و بمنجزها الذي تحرك بهم نحو مناطق و ظروف آمنة، و يمكنونها من حكمهم.
مع كل الفروقات الثقافية و الظروف، الا ان الاسرة الانسانية الكبيرة وُلِدت من رحمها زعامات كانت تقودها لما يقربها من حقوق منعها او غمطها حكم ما.
مصطفى البارزاني كان واحدا من زعامات التاريخ القومي و الوطني، لم يقدم نفسه و لم يعمل لنفسه ليكون زعيما و لا ليكون حاكما، وهو و ان كان شغل منصب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني حيث جرى اختياره من اعضاء المؤتمر الاول لحزبنا سنة ١٩٤٦ببغداد، وقد كان يومها لاجئا سياسيا في الاتحاد السوڤيتي، اختاره مندوبو المؤتمر لا ليكون منصبه مظلة لعمله، بل مظلته هو كانت اوسع ظلا للعمل السياسي و الاجتماعي اللازمين للتحرك نحو تصحيح مسار الوجود الكردي و الكردستاني.
زعامته القومية ليس بها شائبة تعصب او اقصاء، و مكانته الوطنية لا تشعر التنوع العراقي بالغربة او التخوف، حتى في معارك دفاعه التي قادها لم يكن فيها الا خصما شريفا يضع الامور في ميزان العفو و الصفح قبل البارود و الضغط.
رؤوساء كُثْر وصلوا للحكم و للزعامة، لكنهم ذهبوا بذهاب مشروعهم، و بعضهم ربما كان صادقا جادا لكن الظروف او المصالح اطاحت بهم و بمشروعهم، لكن زعامة البارزاني ظلت و لم تهتز، ليس فقط لحيوية في مشروعه تضمن الدوام، بل لان زعامته معدن اصيل مادة و فكرا و روحا، ولها جمهور يتناقلها حجة على الاخرين، بل صارت زعمته وحدة قياس في مفهوم ما يجب ان يكون عليه الحكم الذي يرضاه الانسان الكردي و الكردستاني بل و كثير آخرون من غير الكرد