الإنسان ومعجزات الطاقات الكامنة
سارة سهيل
قبل مغادرتي القاهرة إلى عمان سارعت لتوديع اصدقائي وصديقاتي مهنئة اياهم بحلول شهر رمضان الكريم، ومنهم احدى الصديقات سألتها عن احوال ابنها بالمرحلة الاعدادية فقالت بخير وبدأ أول ماتش في الدورة الرمضانية قبل حلول الشهر الكريم، ودخل في شباكه عشرة أهداف وصد عنها ثمانية اخرى.
فقلت لها كيف كان رد فعلك على هزيمة فريق ابنك، قالت: رأيتها طبيعية لانه لا يزال يتعلم، وكما قلت لابني ان الفشل بداية طريق التعلم من الاخطاء، وكل ماتش تلعبه ستتعلم كيف تستفيد من اخطائك وتصوبها وتستفيد من الطاقة الداخلية الكامنة فيك والتي تساعدك على التركيز واستخراج طاقات خطوط الدفاع الجيد، وكل خطأ ستتعلم منه الصح.
استوقفتني عبارة صديقتي، التعلم من الاخطاء مع الاستفادة من كوامن الطاقة الداخلية لدى الانسان هي القوة النفسية التي يستدعيها الإنسان في أوقات الصعاب والأزمات.
وقفزت في مخيلتي صور للعديد من الفرق الرياضية المهزومة ومع ذلك سعت بجهد ومثابرة لتحقيق التعادل او الفوز في الدقائق الاخيرة من المباراة وحتى في الوقت بدل الضائع وكثيرا ما يحققون الفوز المدهش.
والسر يكمن هنا في الحماس النابع من الطاقة الداخلية الروحية والمخزنة بداخل الانسان ،لكنها غالبا لا تظهر الا وقت الشدة او الخطر. وكل انسان منا يتمتع بهذه الطاقة الكامنة في الروح اشعاعاتها وهي من اسرار الله وتعظم في خلقه مصداقا لقوله: " ونفخنا فيه من روحنا "، ولذلك فان هذه الطاقة تفعل الاعاجيب، فهي قوة لا يمكن لمسها او مشاهدتها عن طريق حواسنا العادية ولكن نشعر بالاثر الذي تحدثه فينا، والفعل الذي نقوم به في الاشخاص المحيطين بنا.
وقد وصفها بعض العلماء بانها طاقة كهرومغناطيسية مختلفة التردد والذبذبات والطول الموجي ومتشابهه في السرعة. أما هذه الطاقة من المنظور النفسي فتعني النشاط النفسي او الذهني الذي يدفع كل من النفس والعقل للقيام بالاعمال بكل جدية وحيوية.
وكل انسان منا يختزن بداخله قوة، لا تظهر إلا حين يحتاج إليها الإنسان في أصعب المواقف، والمهم ان يكتشفها بداخله ويسعى لمعرفتها وتطويرها، وهي لا تحقق الا باقامة الصلة بالخالق والصفاء النفسي بعيدا عن الاحقاد بحق الاخرين، وبعيدا عن تلمس الاعذار للنفس في فشلها في تحقيق طموحها بارجاعه الى الظروف والتحديات والعراقيل التي يضعه البشر امامنا.
فالدنيا كلها مجبولة على هذه التحديات، ومهمة الانسان ان يجتاز هذه العراقيل بصبر وبروح عالية وثابة وواثقة بربها حتى يحقق طموحاته، وهذه القدرة على تحدي العقبات في حياتنا لا تتحقق في انسان اهمل في نفسه ورضى الاتكال على الاخرين او سلم نفسه للعزلة والانطواء ، او الانسان الاناني.
انما تنطلق هذه الطاقة الروحية في مناخ صحي يسعى الفرد الى تهيئته لنفسه من حيث الهدوء والاسترخاء لبعض الوقت والتأمل وتصفية النفس من الشوائب والتعلق بالاخرين او الحقد على ما انعم الله عليهم من نعم.
قد لا أنكر ان المناخ في عالمنا العربي لا يحفز كثيرا على توليد طاقة الانسان الداخلية رغم تمسكنا بأدياننا، الا اننا تمسكنا بشكل الدين وليس جوهره، فغابت عنا اشرقاته الروحية التي هي مبعث كل طاقة كامنة فينا ،ولكن هذا لا يعني الاستسلام لهذا الواقع، وانما السعي لخلق بيئة مفجرة للطاقات على مستوى الفرد ثم على مستوى الاسرة ثم التجمعات ومن ثم المجتمع ككل.
فعندما يجد الشاب ان التعليم الذي تلقاه لا يساهم في دعم توجهاته العلمية نحو الابتكار والابداع، فعليه ان يشق لنفسه طريقا أخر من حيث التعلم الذاتي الذي يمكنه من الابداع والابتكار في المجال الذي يستهويه، ولا يركن للتعليم الاكاديمي الذي تلقاه ولم يلبي طموحاته.
فاصنع نفسك بنفسك ولا تنتظر الكرامات او حدوث معجزة، وفجر الطاقات العظيمة الكامنة بداخلك والخارقة فوق العادة ايضا حتى تنتقل من حالة الخمول الى النشاط والحيوية، فالانسان الناجح هو من يكتشف مواطن قوته وقدراته ويوظفها لصالح احلامه المشروعة، ويتقن فن خلق المناخ الملائم لتفجير طاقاته الابداعية الكامنة فيه
هذه الطاقة الكامنة فينا هي التي تنبع من داخلنا وتمكنا من القيام باشياء لا يمكن للاخرين تصديقها بسبب عظمتها، وهي تظهر فينا بشكل عشوائي عندما نتصالح مع أنفسنا ونتيجة لظروف وامتحانات الحياة المختلفة، تظهر أقوى لدى المتصوفة الصادقين الذين تمكنوا من تطوير قدراتهم الروحية وتجددها باشعاعات الايمان الداخلي فيهم.
فهذه الطاقة الجبارة تتعلق كثيرا بالروح، ومن افكار الانسان الشخصية السلبية او الايجابية، والنجاح هنا يكمن في حفاظ الانسان على روحه من الطاقة السلبية المحيطة. اذ ان سلامة الروح يحقق لنا السلام النفسي والذي بدوره يساعدنا على الشعور بالطاقة الايجابية المحركة للعقل والقلب والتفكير السليم ، وكل هذه المواهب الطاقية مصدرها الخالق العظيم، ولذلك لابد وان نتعلق بخالقنا والثقة بقدرته في تحويل ضعفنا الى قوة.
علينا التنقيب داخلنا عن مصادر قوتنا الداخلية واكتشاف الكنوز التي أودعها الله بقلوبنا وارواحنا. وكما قال الشاعر "انا البحر في احشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي".
فلنغص في اعماقنا مستغلين الصفاء الروحي والقلبي المتحقق لنا خلال شهر الصيام، ونستخرج من بحور ذواتنا لآلي الابداع والابتكاروالقوة الذاتية ، ولنشعر بقيمتنا النابعة من تكريم الله لنا نحن البشر مصداقا لقوله " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر".
وليبحث كل منا عن كنوزه الخاصة به، يزيل ما عليها من غبار الايام، كي تلمع ويشع ضوئها، وليشتغل كل منا على نفسه ويصنع رؤيته للحياة ويعمل على تغيير حياته للافضل بتنمية مهاراته ولغته وتعديل سلوكه اليومي وتصحيح علاقته.
وكفى لكل مستسلم للفشل لعب دور الضحية والتماس الاعذار الواهية لنفسه، فهي لن تفيده في أي وقت، وليبدأ مستغلا نفحات شهر الصيام في لعب دور البطولة في أية مهمة يمكنه القيام بها، ويستخرج الهمة الداخلية من بواطن قلبه وروحه لانجاز ما يتوق اليه عمله او يطلب اليه انجازه بهمة ونشاط عاليين.
لعلي أدعو لكل محزون او مكتئب ان يخرج فورا من عباءة الاكتئاب ويحارب ظلمات نفسه، ويبدأ تغيير حياته ويخوض تجارب تحقيق ذاته عمليا دون خشية من الفشل، وان صادفك الفشل فقم وانهض سريعا وابدأ من جديد كمحارب قوي لا يهزم، وانما يشع من عينيه معاني الحماسة والتحدي تحقيقا للنصر.
ودعك فورا من اي شخص يثبطك او ينقل اليك الطاقة السلبية ،وتقبل نفسك وقدراتك كما اراداها الله لك دون تقليل منها اوتضخيم او غضب من واقع صعب وحقق لنفسك السعادة التي تراها دون السماح للاخرين للعب بطموحك او مشاعرك كن انت كما تحب، وليس كما يحب الاخرين تجد راحة البال والهمة في تحقيق منجزاتك ومعجزاتك.
روداو