المسرح السياسي بين الأحزاب والدولة
ماهر حسن
لا جدل أن نوعية النظام السياسي للدولة في أي بلد، تحددها الطريقة التي يتعامل بها مع حقوق، الا أن هيمنة الأحزاب السياسية على المسرح السياسي في العالم الثالث لا تخضع لأية قواعد وتنظيم قانوني.
إذ تعد الدولة في هذه البلدان العمود الفقري للحزب الحاكم فقط والركيزة القوية لبقاء واستمراريته، وليس العكس، وأحياناً يتم تقليص هيكل الدولة إلى بعض وكالات وأجهزة المخابرات المرتبطة بالحزب.
باعتبار الحزب، الجهاز الرئيسي للدولة، بأدائه ينعكس سلباً أو إيجاباً على نوعية الحياة السياسية وتكون له مراكز ومنصات تنظيمية مختلفة لخلق الحوكمة، على سبيل المثال، الدول التي تمتلك فيها الأحزاب السياسية مجموعة متنوعة من المؤسسات المشابهة لمؤسسات الدولة، تنظر دائماً إلى الدولة على أنها مؤسسة متخلفة للحزب.
بمعنى آخر، يصبح الحزب هو المصدر المالي ويتبنى الجوانب الاقتصادية في المنافسة للانضمام للحكومة، وتعرض نفسها على أنها كيان اقتصادي، ويحدد الهوية الروحية للدولة، وهو ما يسمى بالدولة الفاشلة في العلوم السياسية.
بطبيعة الحال، فإن العلاقة بين الحزب السياسي والدولة دائماً ما تكون في حركة ومزيج سياسي، سواء من حيث المضمون والمظهر، لكن هذين العنصرين مختلفين. الدولة مجموعة من المؤسسات والمبادئ التي تهدف إلى تقديم الصالح العام والخدمات في الفضاء المدني والمجتمع.
في الحاصلة، الأصل في صناعة القرار السياسي الرسمي للدول وتنفيذه وتقويمه ينبغي أن يعود إلى المجتمع. ومع ذلك، فالأحزاب السياسية لها أفكارها ووجهات نظرها حول طريقة معينة لانتزاع السلطة السياسية من خلال مؤسسات الدولة وخلق الشرعية القانونية من خلال المؤسسات التشريعية وتقوم بتطبيق برامجها عن طريق القوانين التي ستسنها في "السلطة التشريعية" وكذلك في المؤسسات التنفيذية لتعزيز دعائم سلطتها داخل الدولة.
في هذه العلاقة المعقدة بين الحزب والدولة يتضح أن مؤسسات الدولة أكبر من الحزب السياسي، وعندما يتولى الحزب السلطة في مؤسسات الدولة، يمكنه تنفيذ جزء من أجندة الحكومة. بمعنى أن مؤسسات الدولة في هذه المعادلة مستقرة إلى حد ما، وما هو غير مستقر هو نسبة قوة الحزب داخل المؤسسات حسب نسبة أصواتها.
ولإيضاح الامر أكثر حول هذه المسألة واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة: هو ما انعكس سلباً قوة الحزب داخل المؤسسات الدولة على بقية الأحزاب والمنظمات، حيث تم ضياع وتضييع الكثير منها ضمن بوتقة سيادة الدولة، التي صارت تصب في بوتقة الإسلام، وتمّحي ملامحها تدريجياً، إذ أن الاحزاب في العالم الثالث تسعى لتكون الراعية المتفرّدة، ومن هنا تتحوّل الدولة إلى مسرحٍ لاقتتال داخلي، شريطة أن يترك الحزب الحاكم له موطئ كرسي واحد، ويحدث تخبط كبير في إدارة الحزب الحاكم للدولة، يتعرض من وراء ذلك إلى انفلات زمام الأمور من بين يديه، ليضعف حضوره في الساحة.
عكس النظام السياسي في أوروبا، على سبيل المثل، تذوب الحدود بين الدولة والدوائر الحكومية المحلية والتي تكون في الأغلب تدار من أحزاب سياسية مختلفة، وينهمك جميع الاطراف المعنية، على تنفيذ ما سيصلون إليه من خطط وبرامج، متعلقة بواقع ومستقبل أبناء شعبهم، والإسهام في تشكيل ما يبعث على طمأنينة ولاسيما في ظل الظروف الصعبة والأزمات.
كما استطردنا في الاعلى، يتحمل الحزب الحاكم في العالم الثالث الوزر الذي تصل إليه الدولة، بسبب عدم التصرف بالشكل اللازم، ما تسبب قبل كل شيء عدم ردم أية هوة ويبرز دور سواه، ممن تعامل بعقلية: كيف أستفرد بالهيمنة على كل شيء وأقوم بإقصاء سواي. وهي ما تجرِّ الدولة إلى بؤرة التسليح، ودخول لقطاء القتل والدمار، والتوائم السيميائية الى الساحة السياسية، وعلى الخط، من ضمن البلاد، أو من وراء عوالم البحار، وبتخطيط دولي، إقليمي وهو ما تلقّفته جهات عديدة: اميركا، روسيا …إلخ، أزّمت ما يجري في الساحة السياسية، كلٌّ منها لأجل مصلحة خاصة دون أن تضع بمفردها الحدّ للتراجيديا، لو أنها أرادت، إلا أنها سعت لـ"صب الزيت على النار" ليتفاقم لهيب الحرب، ويحرق أخضر الدولة ويابسها.
في المقابل، أن بناء جسد جديد، ومن دون التخلص من الكثير من رواسب الأمس، والماضي سيكون أمراً غير اعتيادي بالنسبة إلى بعض الأحزاب، لاسيما هؤلاء الذين ألفوا وأدمنوا مناخات حزبهم التقليدي، أو هؤلاء الذين ستصطدم أحلامهم الخاصة بجدران الواقع، ولابد من وضع الضوابط الصارمة، لتذويب "الأنا" والعمل على أساس مؤسسي، ويمكن أن يكون ذلك، بمثابة ضخ دماء جديدة في جسد الدولة.
روداو