الإنسانية والانسان
عبداللطيف موسى
إن ذكر مفهوم الإنسانية وطريقة تكوينها وتحليلها العلمي يُلاحظ بأنها الصفة التي لازمت الانسان عبر مسيرته وارتبطت به منذ نشوئه وفي كل مراحل تكوينه، وتختزل الإنسانية كافة تصرفات الانسان ومبادئه ومشاعره وطريقة تعامله مع البيئة المحيطة به، وكما أنها تُعتبر من أقدس السمات التي اشتهرت بها الحضارات والأمم على مرّ البشرية، ومرتبطة بالإنسان ونتيجة حتمية لسلوكياته.
الإنسانية عبر المراحل المتباينة من البشرية اتصفت بالكثير من الصفات، واتخذت العديد من الأشكال منها ما هو شبه معدومة ومفتقدة في بعض الأمم والتي اعتمدت على السلب والنهب والقتل والخطف ليتم وضع الإنسانية بهذه الأعمال في خدمة المصلحة الشخصية والسلطة، وفي بعض الأحيان أصبحت الإنسانية عنوان نهضة الشعوب التي خلدت حضارة مزدهرة ومتقدمة ومتنوعة في كافة المجالات ليدفعنا هذا الأمر الى التأكيد بأن الإنسانية بكافة أشكالها ومبادئها نتيجة حتمية تلازم الإنسان في كامل مراحله.
مع انتهاءالحرب العالمية الثانية التي عبرت عن أبشع وأقسى أشكال المعاناة المفقودة للإنسانية في إبادة الملايين، ووضع مبادئ الإنسانية في خدمة الأجندات والمصالح السياسية والعنصرية، ومع زيادة الشعور الى الاستقرار وبروز مفاهيم ونظريات فلسفية التي تمجد العقل الإنساني والإيمان المطلق في جعل مبادئ الإنسانية ومواهب الانسان في خدمة تطور البشرية، والحاجة الملحة الى مفهوم فصل الدين عن سلطة الحكم لينبثق ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سنة 1948 ليتضمن حق الانسان في تقرير مصيره والعيش في الحرية والمساواة والتعايش السلمي وحقه في التعبير.
كافة الأنظمة التي فرضت آيديولوجيتها القذرة على الشعب الكوردي من خلال محاولات محو الهوية القومية والتعريب والتهجير وكافة أشكال الفصل العنصري لتجسد الأوجه البشعة في جعل الإنسانية خدمةً لأجنداتها ومصالحها ومؤامراتها القذرة. على سبيل المثال في وجد الشعب الكوردي في كوردستان العراق نفسه في تجربة مريرة مع الأنظمة والسلطات التي تعاقبت على السلطة في العراق ومنذ ثورة الحفيد في ممارسة كافة أشكال الإنسانية المفقودة عبر مصادرة حق الشعب في تقرير مصيره واستخدام القتل الممنهج والتعريب والتهجير والقصف والإبادة لتكون الثورات الكوردية التي استلهمت إرادة نضالها من مدرسة البارزاني الخالد في جعل مبادئ الانسانية العنوان الاساسي لنضالها في حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره والعيش في الحرية والتعايش السلمي ومقاومة الظلم والديكتاتورية. إن تجربة الشعب الكوردي في كوردستان الشرقية لم تختلف كثيراً عن تجربة أخوتهم الكورد في كوردستان الجنوبية ليجدوا أنفسهم في العيش تحت براثن سلطات وأنظمة متسلطة على رقاب الشعب الكوردي في تمثيل أبشع صفات الانسانية عبر الديكتاتورية والظلم ومصادرة الحق في التعبير لتجسد انتفاضة مهاباد العنوان الأساسي في تلاحم نضال الشعب الكوردي ونبل مشاعره الانسانية والقومية في التعبير عن حقه في تقرير مصيره من خلال انتفاضة شاملة تشارك فيها الشعب الكوردي في كوردستان الجنوبية (تلبية البارزاني الخالد النداء القومي) وكوردستان الشرقية في تأسيس جمهورية مهاباد لتسود فيها أعظم أشكال الإنسانية وحق تقرير المصير.
إن السلاطين العثمانيين الذين تعاقبوا على احتلال كوردستان الشمالية ارتكبوا أبشع الأعمال العنصرية التي تنافي الإنسانية من خلال استغلال الشعب الكوردي ووضعه في خدمة مصالهم عبر استغلال شعورهم الديني في جعل الديانة الإسلامية في خدمة أجنداتهم السياسية والعنصرية عبر المشاركة الإجبارية (السفر برلك) للشعب الكوردي والقتال الى جانبهم لتكون الثورات الكوردية أعظم أمثلة عن الإنسانية من خلال رفض الظلم ،وكذلك مصطفى كمال الذي عمِل على وضع كافة المبادئ الإنسانية وحقوق الانسان والديمقراطية في وضعها خدمة لسياسته العنصرية في إنشاء الجمهورية التركية ولم تختلف سياسة البعث في الشمولية والإقصاء والتفرد في السلطة في سورية عن باقي أجزاء كوردستان ليجد الشعب الكوردي نفسه يعاني من سلطة تفتقد أبسط معايير الإنسانية في أحترام شعبها لتفرض على الكرد كافة السياسات الفصل العنصرية والإحصاء الجائر في تجريد الكثير من أبناء الشعب الكوردي من الجنسية في محاولة محو هويتهم الوطنية وأضعاف انتمائهم القومي وأنهاء وجودهم عبر فرض سياسة الإصلاح الزراعي في بناء مستوطنات عنصرية في المناطق الكوردية لتكون النزعة القومية العنوان الأساسي في الحركة السياسية الكوردية في كوردستان سورية في الإستفادة من التيار النضالي القومي الذي قاده البارزاني الخالد في كوردستان الجنوبية لتشكل العنوان والمنطلق النضالي في كوردستان سورية في تجسيد لأعظم صفات ومبادئ الإنسانية من خلال رفض الظلم والقهر والحرمان ومحاربة الديكتاتورية وكافة أشكال السياسات والأجندات العنصرية التي حاول البعث فرضها على الشعب الكوردي في كوردستان سوريا.
في المحصلة، يمكن القول بأن الأنظمة التي تعاقبت على احتلال الشعب الكوردي افتقدت الإنسانية في شكل تسلطها لتمارس كافة الصفات والمبادئ التي افتقدت الإنسانية عبر ممارسة القتل والترهيب والاعتقال والتعريب وفرض كافة سياسات الفصل العنصري في تجسيد وتأكيد حقيقي بأن الإنسانية والانسان مفاهيم متباينة ومتغايرة في خدمة المصالح والأجندات السياسية.
روداو