• Saturday, 18 May 2024
logo

صياغة المجتمعات

صياغة المجتمعات

معد فياض

 

التآلف الاجتماعي، او صياغة المجتمعات لا تصنعها السياسة والسياسيون، بل على العكس من ذلك، السياسة والاعيب السياسيين هم من يعملون دائما على تخريب هذا التآلف ووحدة المجتمعات خاصة المجتمعات القائمة على التنوع القومي والديني، مثل المجتمع العراقي.

منذ ان وعينا حياتنا وكبرنا ونحن لا نعرف ماذا يعني هذا عربي وذاك كوردي او تركماني، وهذه مسلمة او مسيحية او يهودية، كنا نعيش في محلة بصراوية اصيلة (محلة الباشا) فيها سبعة كنائس وجامع (ابو منارتين) وجيراننا من العوائل الصابئية واليهودية ، ولم يمنعنا احد من دخول الكنائس واللعب بحدائقها والمشاركة بقداساتها.. ولم يعترض شيخ الجامع في ان يصلي فيه الشيعي والسني. هكذا نشأنا وبدعم تربوي سليم من عوائلنا بعدم التفرقة بين هذا وذاك..كنا نعرف ان الجميع جيران واهل و(بصاروة) عراقيين..هكذا كان التآلف المجتمعي نقيا وصحيا وصحيحا، حتى جاء السياسيون ليفرقوا بين السني والشيعي وبين المسلم والمسيحي، وتمادوا في اضطهاد اليهود ليعدموا جارنا الشاب المسالم الطيب، صباح حاييم، بتهمة التجسس زورا وبهتانا، واستمرت ماكنة تخريب المجتمع لتقسم الناس بين شيوعي اممي وقومي شوفيني وبعثي متزمت واخواني متطرف.

اتسائل اليوم ما الذي جعل اهالي البصرة يندفعون بعشرات الالاف لاستقبال الزعيم ملا مصطفى بارزاني ورفاقه في بداية الستينيات بعد عودتهم من موسكو الى العراق، بل ان امي كانت تحكي لنا كيف تجمهر اهالي البصرة عند ميناء العشار في جنوب الوطن للقاء بارزاني وهو زعيم الثورة الكوردية في اقاصي كوردستان العراق؟ ولماذا كان من اليسر ان يتزوج العربي ابن الجنوب او السماوة او الديوانية من شابة كوردية نفيت مع عائلتها من مدينتها، او يحدث العكس وتقترن شابة عربية بشاب كوردي. هكذا كانت المجتمعات، او المجتمع العراقي متحابا متجانسا مختلطا قبل تخريب السياسيين لهذا البناء الاجتماعي النبيل.

اليوم تذكرت ذلك الفردوس الذي كنا نعيشه وانا اتابع ما يجري في بصرتنا بمناسبة استضافتها بطولة الخليج العربي لكرة القدم بنسختها الـ 25، اهلنا هناك خرجوا بكل مكوناتهم لاستقبال ضيوفهم الخليجيين والكورد وجميع القادمين من مناطق العراق..شابات وشباب كورد سافروا الى هناك وهم يرتدون ازيائهم التقليدية ويضعون على اكتافهم علم اقليم كوردستان فيلاقون كل الترحاب والمحبة بل يتقاطر عليهم الاخرون لالتقاط الصور التذكارية مع العلم الكوردي..معلق رياضي كوردي وآخر كوردي يتحدث العربية، من قناة رووداو يبهر الجمهور بمفرداته الوطنية وهو يصيح باعلى صوته"كووووول لمنتخبنا الوطني العراقي"، الجمهور يحتفي ويحتفل بالهدف الذي سجله اللاعب العراقي الكوردي آسو من السليمانية بطريقة لم يحتفوا بها مع اي لاعب عراقي عربي..الاعلام الخليجي يعرب عن آيات الشكر لكرم اهل البصرة، فنقول لهم هذه هي البصرة منذ ان قامت وكانت واليوم وستبقى..هذا نموذج من المجتمع العراقي الصحيح الذي يتجلى باخلاقه بعيدا عن خراب السياسة والسياسيين الذين يؤلم بعضهم ما يجري في البصرة اليوم..كل العراقيين يفتخرون اليوم بالبصرة والبصراويين، حتى ان بنت وابن المناطق الغربية والوسطى وكوردستان يتباهى بالقول: انا بصراوية او بصراوي.

ما يحدث في البصرة هو خير مثال على ان المجتمعات العراقية لو تركت على سجيتها وبدون تدخل السياسة والسياسيين، خاصة احزاب الاسلام السياسي التي تعتاش على التفرقة والعبث بمصائر الناس، لعاشت في وئام ولاختفت العداءات والاقتتال ولظهر المعدن الحقيقي لهذه المجتمعات، وقد جرب الكورد الذين تم نفيهم طوال سنوات عديدة الى محافظات الفرات الاوسط والجنوب الحياة بين اهالي هذه المحافظات الذين رحبوا بهم واعتبروهم من ضمن منظومتهم الاجتماعية بالرغم من اختلاف اللغة، اما العادات والتقاليد الاجتماعية فتكاد تكون متقاربة في جميع المحافظات العراقية.

 

 

روداو

Top