أزمة الدولار.. تحشيد انتخابي مبكر ورقص على الجراح
في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق جرّاء ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، برزت أصوات تتحدث عن مؤامرة تتعرض لها الحكومة الحالية من قبل الولايات المتحدة، فيما رأى مراقبون أن تلك النغمة تأتي بهدف التحشيد الانتخابي واللعب على وتر عواطف الجمهور.
ومنذ أيام ارتفع سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب إجراءات فنية من البنك المركزي بالتعاون مع الفيدرالي الأمريكي الذي يسعى لضبط الحوالات المصرفية وضمان عدم ذهاب تلك الحوالات إلى دول معاقبة أو جماعات تابعة لها.
ويقول البنك المركزي العراقي، إن هذا الارتفاع جاء بسبب اعتماد منصة الكترونية جديدة لرفع إثباتات التحويلات، وهو سياق جديد يحصل لأول مرة منذ بدء مزاد العملة لبيع الدولار.
أجواء حكومة عبدالمهدي
في ظل تلك الأجواء المشحونة والقلقة، يأتي خطاب من شخصيات سياسية وأحزاب بأن الولايات المتحدة تسعى «للانتقام» من حكومة محمد شياع السوداني بداعي أنها لم تكن بموافقة أمريكية تامة، على رغم أن السفيرة الأمريكية لدى بغداد آلينا رومانوسكي زارت السوداني أكثر من 7 مرات منذ توليه منصبه.
هذه النغمة تعيد إلى الاذهان الأجواء التي كانت سائدة بعد تولي رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي منصب رئاسة الوزراء، وما حصل بعد زيارته إلى الصين وحديثه عن مشروع الحزام والطريق، وصولاً إلى تفجر احتجاجات تشرين عام 2019 بسبب تراكم جملة عوامل أبرزها الاقتصادية، فضلاً عن السياسية.
واتهم النائب عن كتلة ‹صادقون› النيابية حسن سالم، الاثنين، الولايات المتحدة الأمريكية بالوقوف وراء الارتفاع غير المسبوق بأسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية.
وكتب سالم في تدوينة على منصة تويتر، إن «أمريكا تمارس حصاراً مالياً على العراق يتسبب برفع سعر صرف الدولار، وتشترط أن يكون العراق ضعيف اقتصاديا وتنمويا ويعيش الفقر والتخلف وخاضع للإملاءات الأمريكية لفك هذا الحصار».
ودعا سالم الحكومة العراقية إلى «مصارحة الشعب بهذه الإجراءات الأمريكية التعسفية».
ولا تتمكن الحكومة العراقية من التحكم بالدولار الذي تحصل عليه جرّاء مبيعات النفط بشكل كامل، باعتباره يذهب أولاً للبنك الفيدرالي الأمريكي الذي يرسل تلك الأموال إلى حساب وزارة المالية العراقية في حسابها لدى البنك المركزي، ما يجعل تلك الأموال عُرضة للمساءلة من قبل الفيدرالي الأمريكي تحسباً من ذهاب الدولار إلى دول واقعة تحت طائلة العقوبات.
وانعكس ارتفاع سعر صرف الدولار وتذبذبه مباشرة على أسعار السلع والمواد الأساسية منها والكمالية، وسط خشية بين المستهلكين العراقيين من تواصل ارتفاع الأسعار المرتفعة أصلاً، وخاصة بالنسبة لذوي الدخلين المتوسط والمحدود والفقراء.
الرقص على الجراح
وتسعى فصائل مسلحة وأحزاب لديها ارتباطات مع دول أخرى نحو تصدير الأزمة على أنها استهداف من قبل الولايات المتحدة لحكومة شياع السوداني، وهو خطاب يرى مراقبون أنه يأتي في سياق استغلال الأزمة الاقتصادية والرقص على جراح المواطنين الذين بدؤوا يعانون جرّاء عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار وعقد تفاهمات مطمئنة مع المجتمع الدولي بشأن مصير الدولار.
هنا، يرى الباحث الاقتصادي سرمد الشمري، أن «الحكومة العراقية بدت غير قادرة على علاج الأزمة، فما زال البنك المركزي يحتكر الدولار، وحتى المصارف التي بدأت بالبيع فإنها تبيع للمسافرين فقط، وهو إجراء لا يمكن أن يحل الأزمة التي تتلخص بضرورة ضخ المزيد من الدولار في الأسواق باعتبار وجود حاجة ملحة لذلك».
وأضاف الشمري في تعليق لـ (باسنيوز)، أن «الاستغلال السياسي حاضر، وهناك خلط في المفاهيم وتصدير خطاب غير مسؤول أو مختص دون فهم ارتدادات ذلك على الوضع الاقتصادي للعراق بشكل عام».
ولفت إلى أن «هناك بعض الأصوات تستثمر في الأزمات وتعتاش عليها، لذلك بدأت بترويج نظريات لا وجود لها»، مشيراً إلى أن «سعر صرف الدولار سيعود بعد أيام إلى سعره الطبيعي».
ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن ارتفاع سعر صرف الدولار وعجز السلطات النقدية والحكومة عن خفضه وتحقيق استقرار الدينار، هو مظهر لأزمة أعمق من مجرد الإجراءات الرقابية التي فرضتها الخزانة الأمريكية ونظام التتبع للدولار المحول من العراق.
ضعف الثقة
وبحسب خبراء، فإن ضعف الثقة بالمصرف المركزي وبالمصارف العراقية والتحويلات الصادرة عبرها إنما يعكس النسبة العالية من التحويلات التي لا تذهب إلى الجهات المعلن عنها رسمياً، وهي مؤشرات تهريب للعملة وتمويل لمستفيدين خارجيين.
بدوره كشف عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، الاثنين، تفاصيل جديدة بشأن «الحظر الأمريكي على بعض المصارف العراقية».
وقال الكاظمي في تصريح متلفز، إن «نافذة بيع العملة ليست بالجديدة ومضى عليها أكثر من 10 سنوات، وكان من المفترض أن يكون هناك تفاهماً ما بين الجانب الأمريكي والحكومة العراقية بشأنها مؤخراً».
وبين أنه «بعد المصادقة على حكومة السوداني في 27 تشرين الأول 2022 وتحديداً في 2 تشرين الثاني، كان هناك عقوبة أو حظر على 4 مصارف، ويوم 15 تشرين الثاني أبلغ الفيدرالي الأمريكي البنك المركزي العراقي بسياسة مالية جديدة في التحويلات المالية وغيرها وكانت الإجراءات مفاجئة».
ولفت إلى أن «مجموعة من النواب طالبوا باستضافة رئيس الحكومة ووزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي، ولابد أن يفعل هذا الإجراء، وعلى الحكومة تقديم الحلول الممكنة من خلال فتح اعتمادات مباشرة للتجار».
باسنيوز