• Saturday, 23 November 2024
logo

الصحافة العراقية

الصحافة العراقية

طارق كاريزي

 

قدم د. شمس الدين كوزةجي الاربعاء الماضي محاضرة بعنوان (تاريخ الصحافة والاعلام في العراق، 1869-2019) في مكتبة كاريز، وهي بالأساس اطروحة دكتوراه تقدم بها الدكتور كوزةجي لاحدى الجامعات التركية ونال عنها الدكتوراه في الصحافة والاعلام. تغطية فترة 150 عاما من الصحافة العراقية باللغات العربية والكوردية والتركمانية والسريانية وفي بحث اكاديمي واحد، بالتأكيد ليس عمل سهلا بالمرّة، اذ يتطلب الامر اطلاعا واسعا وبحثا مضنيا عن مسيرة حافلة بالعطاء والاداء الاعلامي، وسير عاملين محفوفة بمزيد من المخاطر والمغامرات والمتعة والترويج أيضا، وهو بالنتيجة تاريخ تليد يعتد به. اطروحة الدكتور كوزةجي صدرت حتى الآن بالتركية والانكليزية والعربية والآذربيجانية. وهي من الاهمية بمكان وتستحق ان تصبح مادة دراسية في فروع وكليات الاعلام، خصوصا وأن الباحث قد تناول الاعلام المطبوع والمسموع والمرئي والالكتروني وباللغات الاربعة وخلال تلك المدة الطويلة، وهذا يعني انه غطى مساحة واسعة تطلبت منه بذل جهود كبيرة للتقصي والحصول على المعلومات. وهي محاولة جديرة تستحق الثناء وجهد اكاديمي ثمين ورصين.

انطلاقا من النتائج التي استخلصها الدكتور كوزةجي في اطروحته القيّمة هذه، واشارة لطرح اعلن عنه الكاتب والمترجم متين عبدالله اثناء ادارته المحاضرة، اود ادامة الحديث حول مرجعية الصحافة العراقية والتصنيفات الواردة عنه. ترى هل يصح ان نطلق تسمية الصحافة العراقية الصادرة باللغات الاربعة مثلما يرى الاستاذ متين عبدالله؟ ام ان التصنيف المتداول حاليا والذي يقسم الصحافة العراقية بحسب التبعية ولغة صدورها الى اربع صحافات؟ هذا الامر باعتقادي يحتمل الكثير من النقاشات والحوارات والبحث، لأن لكل لغة من لغات العراق الاربعة خلفية ثقافية وخصوصية من حيث المرجعية وكينونتها، وهي ايضا تحمل هموما واحلاما ان لم نقل انها تتقاطع مع بعضها في بعض المفاصل، فهي بكل تأكيد تختلف في رؤاها واحلامها، وهذا حق طبيعي وحالة واقعية لا تقبل النفي أو الالغاء الا قسرا. عليه يستوجب الامر، مثلما قلنا، الكثير من البحث والتقصي والتحليل.

بغض النظر عن وجهة نظرنا الشخصية حول الأمر، فان الصحافة الصادرة في العراق فيها الكثير من مقومات التداخل والافتراق في آن واحد. مثلا، تعتبر صحيفة الزوراء الصادرة في العهد العثماني باللغتين التركية والعربية أول صحيفة عراقية، كونها صدرت في العراق والعربية احدى لغتيها. ويحق للتركمان وايضا الاتراك اعتبار صحيفة الزوراء صحيفة تركية/ تركمانية، لأنها صدرت من قبل السلطات العثمانية وهي امبراطورية تركية المرجع وأحدى لغتيها هي التركية العثمانية. هذا التداخل في مضمار الصحافة بين الترك والعرب في العراق لا يحتمل البت بعجالة، بل لابد من اجراء دراسات تنصف الجانبين من حيث الاحتفاء بصدور الزوراء وحق امتلاك مرجعية الصحيفة. ولنأخذ مثالا آخر كصحيفة التآخي التي كانت احدى اهم الصحف العراقية التي تصدر في بغداد قبل أكثر من نصف قرن. لغة الصحيفة هي العربية لكن مرجعية الصحيفة وخطابها كانا كورديان، طيب كيف يمكن البت في تابعية هذه الصحيفة بين الكورد والعرب؟

مديات التداخل الثقافي بين قوميات العراق ولغاتها من حيث الصحافة والاعلام واسعة جدا، بحيث يصعب حصرها ضمن مضمار واحد. الكثير من الصحف والمجلات التي صدرت في العراق كانت ثنائية اللغة بل فيها ثلاثية ورباعية اللغة أيضا. لذا فعند التعمق في حيثيات الصحافة العراقية، يبدو انه ليس من السهل البت في المرجعية وتحديد المسار التاريخي لكل رافد من روافدها بشكل قاطع ونهائي. والمشهد يأخذ بعدا أكثر عمقا وتشابكا حين نعلم ان هوية العراق، على اقل تقدير على المستوى السياسي والرسمي، تحددها معطيات قومية أحادية البعد وتستند الى ارث ثقافي محدد لا يستوعب التنوع الثقافي واللغوي لسكان البلد. من هنا فإن مبررات تبني التعددية في تاريخ الصحافة العراقية واعتماد تواريخ عدة للصحافة العراقية، له ما يبرره وبقوّة. علاوة على ذلك، فان الطرح الذي تقدم به الاستاذ متين عبدالله لا يخلو من المنطق ويحمل مقومات التبني ايضا.

 

 

باسنيوز

Top