بعد واقعة «الإمبراطور».. من يقف وراء تهريب المجرمين من السجون؟
تتكرر حوادث تهريب أو هروب معتقلين من السجون العراقية بشكل دائم، بسبب ضعف الإجراءات الأمنية وقلة الاحترازات وشيوع المحسوبية والمنسوبية داخل تلك المؤسسات، وسط دعوات لفتح تحقيقات في تلك الحوادث التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية.
آخر تلك القصص تتعلق بتهريب معتقل أثناء نقله إلى مركز أمني للتحقيق معه في قضاء الكحلاء بمحافظة ميسان، حيث كشفت مصادر أمنية لوسائل إعلام عراقية، أن مسلحين يستقلون ثلاث عجلات، هاجموا القوات الأمنية التي تنقل المتهم ويدعى كاظم حشيش، والملقب بـ «الإمبراطور»، أثناء نقله من قضاء الكحلاء الى شعبة اجرام البلدة لغرض التحقيق في مكان الحادثة المتهم بها.
وأضافت تلك المصادر مطلع الشهر الجاري، أن «الهجوم المسلح انتهى بتهريب المتهم وإصابة خمسة عناصر أمنية، أحدهم فارق الحياة»، مشيرة إلى أن «المعتقل الهارب متهم وفق المادة 444 من قانون العقوبات والخاصة بالسرقات، وتعاقب بالسجن لسبع سنوات أو بالحبس».
ولم تُعلن القوات الأمنية لغاية الآن عن اعتقال هذا المطلوب، رغم مرور عدة أيام على تنفيذ عملية هروب.
وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، أفاد مصدر محلي في النجف، بهروب محكوم من قبضة قوة أمنية أثناء تناولها وجبة غداء بأحد مطاعم المحافظة.
وبحسب تلك المصادر، فإن «قوة أمنية كانت مكلفة بنقل متهم مطلوب للقضاء بجرائم نصب واحتيال إلى محكمة جنايات النجف لغرض محاكمته، وعند الانتهاء من المحاكمة نقلته إلى مركز حبسه، وأثناء السير في الطريق قامت الدورية المكلفة بحماية المتهم، بأخذ قسط من الراحة لتناول وجبة طعام في أحد مطاعم النجف، وعند الانتهاء من وجبة الطعام لم يعثروا على المتهم داخل العجلة الموضوع فيها دون حراسة».
وأصدرت محكمة جنايات النجف، اليوم الثلاثاء، أحكاماً بحق الضباط والمنتسبين في تلك القضية.
وتشير مصادر قضائية ، إلى أن «المحكمة المختصة قررت الإفراج عن ضابط برتبة عميد، والحكم على ضابط برتبة ملازم، ومنتسب آخر، بالحبس عدة أشهر».
عمليات مماثلة
وسجل العراق العام الماضي، عملية هروب كبيرة داخل سجن الوحدة بالعاصمة العراقية بغداد، ما أثار ضجة واسعة حينها.
وتفتح تلك الحوادث، التساؤلات عن سبب تكرارها في عدة محافظات، وفيما إذا كانت هناك جهات ربما تسعى إلى تحقيق مكاسب مالية أو غيرها من هذه العمليات، خاصة وأن الهاربين غالباً يكونون من ذوي النفوذ أو المتاجرين بالمخدرات والممنوعات.
وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية العراقية، إن «عمليات تهريب سجناء من المعتقلات تحدث في جميع دول العالم، لكن بنسب متفاوتة، وبالفعل فقد سجل العراق هذا العام مثلاً نحو خمسة حالات هروب، بعضها معلن والبعض الآخر غير معلن، لكن هناك تحقيقات تجريها السلطات المختصة، لتعقب المتهمين بهذه العمليات، وفيما إذا كان هناك تهاون أو قصدية في ذلك».
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن «عمليات التهريب تحدث غالباً في أوقات الراحة، وارتخاء المنتسبين الأمنيين، إذ يستغل هؤلاء حالة الضعف العامة سواءً بالتحصينات، أو قلة المنتسبين في بعض السجون، وحاجتهم إلى دعم آخر»، مشيراً إلى أن «تعليمات جديدة صدرت من الجهات العليا في وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة العدل التي تدير المؤسسات الإصلاحية، بضرورة تعزيز الإجراءات، لمنع تكرار تلك الوقائع».
وتشير مراصد حقوقية، إلى أن السجون العراقية تشهد منذ عقود طويلة تعذيبا نفسيا وجسديا، ويتفنن السجانون في إذلال المعتقلين وتعنيفهم وسط غياب أبسط الحقوق لهؤلاء الضحايا.
ورصد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب من مطلع عام 2022، وفاة أكثر من 28 معتقلا بسبب التعذيب والإهمال الطبي الذي يعد من ممارسات التعذيب في السجون العراقية.
أعمال غير قانونية
ويرى مختصون، أن السلطات الأمنية تمارس أعمالاً غير قانونية تجاه المعتقلين، مع غياب تام لبرامج التأهيل والدورات التدريبية، بل تحول كثير من المعتقلين إلى مجرمين داخل السجون، بسبب اختلاطهم مع تجار المخدرات أو المتهمين بالارهاب، فضلاً عن شيوع المتاجرة بالسجناء، سواءً لجهة تهريبهم مقابل مبالغ ضخمة، أو بيع المستلزمات الضرورية لهم.
ويرى العميد المتقاعد كمال الطائي، أن «التقارير الحقوقية تكشف بشكل دوري طبيعة ما يحدث في السجون العراقية، فإذا تحدثنا عن مسألة التهريب، فإنها شائعة بشكل كبير، وهناك بعض المسؤولين يغضون الطرف عن هذه الانتهاكات لتحقيق مكاسب مالية، إذ تحولت السجون إلى بؤرة للابتزاز والمتاجرة، ونشر المخدرات وبيعها».
وأضاف الطائي في حديث أن «التحقيقات التي تجري في الغالب بشأن تلك الحوادث، تجري بسرعة تامة، ولا تحدد من المقصر، وهناك تواطؤ جماعي، بشأن ضرورة عدم إعلان المتسببين، ومحاسبتهم أمام الرأي العام، خاصة وأن حوادث التهريب تمس الأمن القومي للبلاد، لكن كما سمعنا اليوم فإن الأحكام التي صدرت من القضاء كانت بضعة أشهر للمتهمين في هروب أحد السجناء، وهذا غير معقول».
باسنيوز