الرئيس نيجرفان البارزاني والتواضع
عصمت شاهين دوسكي
نجاح كل إنسان بأطر كثيرة ومنها التواضع ، محبة الناس واحترامهم تأتي من التواضع ومن يحترم نفسه ويسمو بها لابد أن يكون متواضعا ، ،الارتقاء والعظمة والمجد والحسب والشرف وقضاء حوائج الناس والحب من التواضع فأحب خلق الله هم المتواضعون .
معظم العالم يعرف الرئيس نيجرفان البارزاني رئيس اقليم كوردستان العراق رسميا، شخصية من عائلة نضالية مشهورة عالميا ولها دورها الإنساني الذي يشهد له البعيد قبل القريب ولست هنا لمدحه والإشارة إليه فأعماله تمدحه وسلوكه يشير إليه ...لكن وأنا أتصفح بعض الفيديوهات القصيرة وجدت الرئيس نيجرفان البارزانى يضحك ويطلب من المصور ربطة عنق لأنه كان يلبس القميص بلا ربطة عنق رسمية ويداعب المصور وحوله انه يتقيد بربطة العنق الرباط خاصة في اللقاءات الرسمية وهو في الأيام العادية الخالية من الاجتماعات واللقاءات الرسمية يلبس ملابس عادية.... ذكرني هذا الأمر بالرؤساء الذي يذهبون على البايسكل الدراجة الهوائية إلى مهامهم الرسمية وكذلك الرؤساء الذين يستقلون الباص للذهاب إلى أعمالهم الرئاسية وهذا ليس غريبا على الرئيس نيجيرفان البرزاني فأجداده كانوا بين الفقراء والبسطاء من عامة الشعب وهدفهم خدمة البلاد والعباد فكيف يعرف الرئيس أحلام الناس إن لم يكن بينهم وكيف سيعلم تطلعاتهم وحاجاتهم إن لم يكن قريبا منهم.. هذا التواضع مهم جدا فمن تواضع للناس رفعه الله .. وهي صفات الأنبياء والعلماء والعظماء والأدباء والعباقرة شيمة الأشخاص الحكماء العادلين والأشخاص المميزين الذين يملئوهم الوفاء للماضي والحاضر والمستقبل .
بسبب البروتوكول وقواعده الرسمية الملتزمة تجبر الرؤساء في التصرف بأسلوب وتوجيه خاص ولكن بعض الزعماء اختاروا لنفسهم وتواجدهم طريقة إنسانية خاصة تواضعا وقربا أكثر للناس خاصة التي تظهر بعفوية فقد تعجب المصريين بمشاهدة الرئيس السيسي وهو بملابسه العادية خلال تفقده لأعمال تطوير طريق مصر – اسكندرية الصحراوي واستمع لمشاكل بعض المواطنين .
ورغم الصرامة والصمت الذي يبدو على عاهل الأردن الملك عبد الله إلا إنه يقوم بجمع القمامة في إطار حملة قادها بنفسه لحث الأردنيين على نظافة الشوارع ويتناول الطعام في مطعم بسيط وسط الأردنيين . ومن دول الخليج تواضع الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم حيث يقوم بربط حذاء صبي إماراتي صغير أمام الكامرات دون أن يخجل من ذلك ويتجول في الصحراء دون حراسة ويقود سيارته بنفسه ويجلس على الأرض مع مسن ويقبله
ومن رؤساء الغرب أوباما يتسوق لوحده في السوبر ماركت ويرتدي ملابس المطبخ مع الأطفال الأمريكيين والقيصر الروسي بوتين يملأ سيارته بالبانزين بنفسه ويقدم الشاي لطفلة مريضة بالسلطان .
ولا يعني تواضع الرؤساء أمام الكاميرات فقط لكي يشار إليهم فهذا يبعدهم عن الناس أكثر وتتجلى صور النفاق والخداع فهي ليست حملة ترشيح أو انتخابات ليس لها ارتباط بحاجات الناس فمن يظهر كواحد منهم أفضل من أن يظهر بغير نيه نقية إنسانية .
لاشك إن تواضع الرؤساء تجسد صورة مهمة للعدالة وصورة مهمة بين الراعي والرعية فكلما توسعت وانتشرت صور تواضع الرؤساء عمليا إنسانيا كسب تأييد واحترام الناس له وأصبح أكثر قربا منهم .
وقد قال الله تعالى: «وَمَا أَرسلنا قبلَكَ مِنَ المرسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكلونَ الطَّعامَ ويمشُونَ في الأَسواقِ وجعلنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وكانَ رَبُّكَ بَصِيرًا» (الفرقان، 20 ) .
من الأشياء التي يحس بها الإنسان ويتأثر بها بقوة وعمق أن يرى التميز ظاهرا ويعيش التفرقة بوجود هائل من التميزية بين أبناء وأبناء حيث لا الملبس ولا الأكل ولا الشرب كما يشرب ولا يتعبون كما يتعب .
كلما ابتعد الرئيس عن رعيته عن الناس ولم يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ابتعد الناس عنه وكلما تجلت وتضخمت نعمته وبطره على نفسه دون الاهتمام برعيته وما يعانيه فقيرهم ، زرع في نفوسهم الغضب والكره والابتعاد عنه ، قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : " قلوب الرعية خزائن راعيها فما أودعها من عدل أو جور وجده فيها . "
على مر التاريخ أثبتت التجارب إن الرؤساء الذين يكونوا تماس مع الناس وإلى أقل الناس فقرا يهبهم صورة واضحة عن حكمه ومدى تأثير وجوده وعدله دون أن يلتمس من هذا وذاك نقل صورة المشهد الاجتماعي له فقد تكون الصورة المنقولة ضبابية غير واضحة وقد سئلوا زعماء بني أمية عن سبب زوال حكمهم ، قالوا : " وثقنا بوزرائنا فآثروا مرافِقهُم على منافعنا وامضوا أمورا دوننا
أخفوا علمها عنا . "
ومن يريد أن تكون كلماته مسموعة عليه أن يكون متواضعا بلا تميز ولا تفرقة
ويقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس : " من يتكلم دون تواضع سيجد صعوبة في جعل كلماته مسموعة "
وفي النهاية التواضع ليس في المظاهر بقدر ما هي في النتائج العدل والازدهار والنمو والارتقاء بالبلد والمجتمع إلى أعلى درجات الحضارة الإنسانية.