• Saturday, 27 July 2024
logo

العراق مجرد حقل نفطي كبير

العراق مجرد حقل نفطي كبير

مؤيد رشيد

 

منذ إكتشاف النفط والغاز كمصدر للطاقة الرخيصة حول العالم، أصبحت لها اسواق ومنظمات إقليمية ودولية تنظمها، والمهم في الأمر هو مصادر تلك الطاقة أو الثروة.

أصبحت لهذه السلعة سوق تحددها قوانين العرض والطلب أحيانا وقوانين القوة والنفوذ والسياسات المالية والإحتكارية غالبا، لذلك نراها ومنذ قرن من الزمان عرضة لمضاربات كبيرة وحادة تؤثر على منحنيات ومؤشرات أسعارها صعودا ونزولا، وليس المهم أين تقع مصادر هذه الطاقة أو الثروة فهي مهمة للأسواق العالمية أينما كانت حتى ولو كانت في القطب الشمالي أو الجنوبي ما دامت الأسعار تغطي تكاليف الإنتاج وتزود.

وعلى هذا الطريق أيضا ليس مهما بيد من تكون هذه الثروة ومن يتحكم بها، سواء كان ديكتاتوراً أو اميراً أو ملكاً أو قائداً ملهماً، فالحقيقة الوحيدة أنها تباع مقابل عملة ورقية مطبوعة متعارف عليها عالميا كوحدة قياس لقيمة كافة السلع والخدمات، وهي بالتالي مجرد أوراق لا قيمة لها بذاتها لولا غطاءها القانوني الذي سن لأجلها، كما لا يهم أحداً إن كان لهذه العملة الورقية غطاء ذهبي كما هو منصوص عليه منذ بداية إصدارها.

إن اعتماد عملة القياس الدولار للتبادل عالمياً يتعرض الى حرب اقتصادية شرسة من قبل الصين وروسيا، وهو أمر له تداعيات خطيرة في المستقبل القريب وهو واحد من العوامل التي نعول عليها لإحدات تغيير قد تطالنا امواجه العاتية وعواصفه.

المهم الوحيد في الأمر هو حماية تلك الحقول وكافة مراحل الانتاح وتأمين طرق المواصلات والنقل البحرية وخطوط الانابيب لكي تصل الى مستهلكيها حول العالم وبالذات دول الشمال الأكثر استهلاكا لها، كما انه ليس مهما ان كانت الشعوب المنتجة لهذه الثروات تتمتع بها أم أنها محرومة من عوائدها ومنافعها فهذا امر ليس مهما بالنسبة للشركات التي تتولى الإنتاج والتسويق وصولا الى المستهلك، بل وفي الغالب ليس من المفضل ان تقع هذه الثروات تحت ظل إدارات أو حكومات وطنية.

لهذا أصبحت الثورات والانقلابات، وحتى صناعة منظمات إرهابية متطرفة تحت غطاء ديني أو عرقي لخلق حروب أهلية بينية، وهي وسيلة من وسائل حماية تلك الثروة لتحقيق مصالح دول الشمال وشركاتها الاحتكارية.

من هذا المنظور من الممكن ان نلقي نظرة واقعية وموضوعية على ما حدث ويحدث في بلد نفطي كالعراق، فعمليات تاميم تلك الثروة في بلد ما، هي في جوهرها مجرد عملية تغيير أو تحكم في عملية الانتاج والنقل ليس اكثر، كتغيير لجنسية الشركات المنتجة والناقلة بهدف تحقيق عوائد أكبر.

وهذا في حقيقته لن يؤثر في النهاية على المستهلك النهائي اينما كان حول العالم لأنه سوق كبيرة ومنظمة ومحكومة من خلال قوانين العرض والطلب والسياسات المالية والنقدية والتي هي في الغالب المتحكمة في كل شيء حول العالم.

فمعظم النفط المستخرج يذهب الى دول الشمال الصناعية الغنية والتي تحتاج لهذه الطاقة بشكل كبير، نتيجة التطور العلمي والمستمر في كافة مجالات الحياة وانشطتها الصناعية والزراعية والتكنولوجية وغيرها، وهذا هو الامر الوحيد المهم، فمنذ اكتشاف النفط والغاز لم يتوقف التطور والتقدم الحضاري المرتبط بهذه السلعة ولم يتأثر سلبا تبعا للانظمة التي تحكم دول الانتاج سواء كانت ديمقراطية راسمالية او اشتراكية شمولية أم كانت تتبع نظام اقتصادي حر ام مقيد وهكذا.

المهم هو وصول السلع الى اسواقها ومستهلكيها تبعا لقوانين العرض والطلب وهو ما يحدث دوماً، وغالبا مايسبب أزمات مالية يعاني منها المستهلك الفرد والذي هو اضعف حلقة تأثراً في مجمل منظومة الاستهلاك.

ان مستقبل هذه الثروة، النفط والغاز، واستمرارية الاعتماد عليها كمصدر رئيس للطاقة هو المحدد الاساسي لمستقبل الدول المنتجة لها، وخصوصاً الدول الفاشلة والتي يتربع على رأس قائمتها بلد مثل العراق والذي يحكمه الفساد.

في العراق وفي ظل غياب عناصر القوة لإمتلاك أدوات ووسائل التغيير، ما زالت ليست متاحة في ظل التوازنات والحسابات الدولية والإقليمية المحيطة، وإن عملية إستقراء وتحليل ذلك الواقع وتكلم الظروف هي ليست مجرد نظرة متفرج من خارج الحدود أو من خلال نظرة أوسع لما يجري في الداخل ، بل هي استقراء وتحليل للتغيرات السياسية والاقتصادية التي يتبعها العالم والدول العظمى المؤثرة على وجه الخصوص، لأن أي تغيير في تلك السياسات قد يؤثر بشكل غير مباشر على الوضع الداخلي في واحدة أو أكثر من البلدان أو الدول الفاشلة والتي على رأسها العراق.

لذلك علينا أن نتابع وبشكل مكثف كل ما هو جديد من نظريات اقتصادية وسياسية قد تؤدي الى تغيير اجتماعي او ديموغرافي على ارض الواقع من حولنا تبعا لتغير اتجاه الريح والمصالح.

وكما أن للعقاقير والخطط العسكرية والحروب أضرار جانبية، من المؤكد أن للسياسات المالية والاقتصادية والتي تقود الصراعات الدولية والإقليمية لابد أن يكون لها أضرار جانبية قد تكون إيجابية غير مقصودة من خلال التطبيق، وهذا هو ما نبحث عنه اليوم لأجل التغيير، وهو أمل ضعيف لانه يحتاج الى وقت طويل لا نمتلكه، فالصين وروسيا ودول الشرق الأدنى احتاجت إلى عقود طويلة لتبرز خلال العقدين الأخيرين كقوى إقتصادية مؤثرة تزاحم الغرب المهيمن منذ قرون.

لقد بدأ الاستعمار الغربي الحقيقي للهند منذ القرن السابع عشر بعد أن تم انهاء حكم المغول في الهند على يد إمبراطورية مارثا، وهذا مؤشر أن التغيير لا بد أن يأخذ مداه الزمني، فكم احتاج بلد كبير مثل الهند من زمن للتخلص من النفوذ الانكليزي المستعمر.

إن ما نبغي توضيحه هو أن التغيير في العراق كمثال سوف لن يأتي من الداخل من خلال إرادة شعبية تعاني من الفقر والتهميش سلاحها الشعارات والتظاهرات السلمية غير المنظمة تحت لواء او عنوان موحد ومنظم، مفقود أصلا.

إن صعود الصين كقوة اقتصادية تسعى للهيمنة على حساب أميركا هو صراع سياسي واقتصادي وعسكري تعبوي والتي يصطف إلى جانب معسكر الصين روسيا الطامحة لاستعادة لامجادها السابقة، وهذا الصراع ربما سيؤدي إلى تغيير في خارطة الصراعات والمصالح في المنطقة وهو ما نرنو اليه وبترقب شديد، ولكنه في حسابات التاريخ والجغرافية يحتاج لزمن اطول او ربما لإشعال فتيل أزمة او صراع جديد، وهو أمر لا بد للباحث أن يأخذه بعين الإعتبار.

إن إمتلاك عناصر القوة اللازمة لإمتلاك أدوات التغيير الحقيقية ماتزال غائبة، فالجميع تركوا العراق قبل وبعد الغزو في 2003 حتى الشعب ساهم بشكل كبير في ذلك كنتيجة طبيعية متوقعة كهدف مرسوم من قبل الذين صنعوا وفرضوا عليه الحصار منذ عام 1991.

حين تنضب آبار النفط لن تبقى سوى ارض بور وخرائب، وهو ليس ببعيد، ولكن الحرب العالمية القادمة هي حرب المياه كما يقولون، ففي آخر تقرير لوكالة ناسا لهذا العام 2022 أكدت صحة كافة النظريات والدراسات السابقة حول وجود خزين جوفي للمياه في حوض بادية الرمادي، وهذا في حد ذاته يعتبر ثروة ستراتيجية في منظومة الأمن الغذائي في العراق والإقليم، وهي مخاوف حقيقية سوف يعاني منها العالم في العقود القادمة.

إن كل ما ورد من كلام في الشأن العراقي ما هو سوى جانب بسيط جداً من المشكلة نحاول تسليط الضوء عليه، فالكارثة الحقيقية هي نضوب وتدني معدلات الثروة الفكرية في النسيج الاجتماعي الجمعي، والغياب الكامل للوعي من خلال عمليات تجهيل وتسطيح منظمة ومدروسة ومقصودة، والتي في حال غيابها تصبح ادوات التغيير حتى لو توفرت غير مجدية بسبب غياب الوعي والإرادة الوطنية اللازمة.

 

 

روداو

Top