• Wednesday, 25 December 2024
logo

في ذكرى نهاية الحرب العراقية الإيرانية

في ذكرى نهاية الحرب العراقية الإيرانية

معد فياض

 

من كان يجرؤ أن يتخيل.. مجرد أن نتخيل أي سيناريو سينهي هذه الحرب العبثية الكارثية المأساوية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988)؟ كنا أحياناً، نمزح مع بعض أقرب الأصدقاء وبسرية تامة، حول توقعاتنا عن نهاية الحرب، فنقول مثلاً "سنشهد قراءة البيان العسكري رقم 10 مليون"، أو أن "القائد العام سيكون وقتذاك حفيد صدام حسين"، وقتها لن يكون البلدان، العراق وإيران قائمين، بل مجرد أطلال بعد ان تهدمها الصواريخ والقنابل.

عندما ظهر عزة إبراهيم الدوري على شاشة التلفزيون في بداية الحرب العراقية الإيرانية وقال "على العراقيين أن يصبروا لشهرين أو أكثر حتى تنتهي الحرب"، قلنا شهرين؟ هل هذا معقول، كيف سنصبر شهرين أو أكثر؟ لكن الحرب استمرت لثماني سنوات.

لكن من يتحمل مسؤولية هذه الحرب؟ ومن يتحمل مسؤولية فقداني عشر سنوات كاملة من عمري أمضيتها في الجيش العراقي وفي مناطق مختلفة من جبهات القتال؟ وماذا بقي في ذاكرتي من هذه الحرب التي كلفت العراق وإيران مئات الآلاف من الضحايا والمليارات من الدولارات؟

حسب الدكتور عدنان الباجه جي، فإن الجانب الإيراني، الخميني خاصة، هو المسؤول عن استمرار الحرب بعد أن أعلن العراق وقف إطلاق النار من جهته عام 1982. يقول: "في عام 1980 اشتعلت نيران الحرب العراقية الإيرانية، وعم الحماس جميع العرب، كنت وقتذاك في أبو ظبي وكان الناس هناك يقولون لي: والله العراق رفع رأسنا. وكانت انتصارات القوات العراقية تلقى وقعاً حسناً في نفوس غالبية العرب مواطنين وقادة". مضيفاً: "الخليجيون كانوا من أكثر الناس دعماً للعراق مادياً ومعنوياً، حيث قدمت دول الخليج الكثير من الأموال من أجل أن يصمد العراق في هذه الحرب. كانت حسابات صدام حسين في هذه الحرب هي أن يبادر إلى الهجوم قبل أن يبادر الإيرانيون، حسب المثل الذي يقول (نتغدى بهم قبل أن يتعشوا بنا)، فهو كان يعرف أن الخميني يكرهه وأنه سيعمل كل جهده لخلق الفوضى في العراق أو الهجوم عليه، وكان الوقت مناسباً بالنسبة لصدام لشن الحرب، حيث كانت الفوضى سائدة في إيران، والثورة الإسلامية في بدايتها، وغاب كبار الضباط الإيرانيين من عهد الشاه عن إيران والقوات الإيرانية، إما تم إعدامهم أو هربوا من البلد".

الباجه جي نبه إلى أن "حسابات صدام كانت صحيحة في هذا الجانب، لكنه أخطأ في جانب مهم وهو أن الإيرانيين، سواء كنا نكرههم أو لا، يتمتعون بشعور قومي قوي جداً، حتى لو كان بعضهم لا يحب أو لا يؤمن بالخميني فإنهم قاتلوا انطلاقاً من مشاعرهم القومية، ولن يسمحوا للعراق، الذي هو في نظرهم بلد عربي صغير، أن ينتصر عليهم.. وعلينا أن نقول الحق، ذلك أن صدام حسين عندما أدرك أن نهاية هذه الحرب ستكون بعيدة وسوف تطول سنواتها، أعلن منذ عام 1982، أي بعد عامين من اشتعالها، إيقافها وطالب العراق في الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار والتفاوض وكانت إيران ترفض".

ويحمّل الباجه جي إيران مسؤولية استمرار هذه الحرب، يقول: "أنا أعتبر استمرار الحرب لثماني سنوات مسؤولية الخميني الذي كان يضع شروطاً تعجيزية لإيقافها مثل أن يعترف العراق بأنه هو البادئ بالحرب قبل القيام بأي مفاوضات، وإحالة صدام حسين إلى المحكمة، وكان يعرف أن هذه شروط تعجيزية لن تنفذ، لهذا فالمسؤولية وحسب القوانين الدولية لاستمرار الحرب هي مسؤولية إيرانية تماماً، وإذا صار في المستقبل الحديث عن تعويضات أو أن تدعي إيران بمسؤولية العراق عن الحرب فيجب مواجهتهم بالحقائق الرسمية، وهي أن العراق أراد إيقاف القتال وإنهاء الحرب منذ عام 1982، وهذا موثق في الأمم المتحدة، وإيران هي التي رفضت، إذن هي من تتحمل هذه المسؤولية ومسؤولية الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها العراق وإيران، ويجب الوقوف بوجه إيران والقول لها: أنتم المسؤولون عن استمرار هذه الحرب".

المعجزة التي كنا نحلم بها هي انتهاء ماكنة القتل، الحرب العراقية الإيرانية في 8/8/1988، ولكن هل هناك ما تبقى من آثار وبقايا هذه الحرب العبثية وتاريخ جنديتي؟ نعم، بقيت مشاهدات وذكريات لن تنسى، تدور في رأسي مثلما رحى معارك وصرخات جنود جرحى ودموع أمهات وزوجات وأبناء الضحايا الذين نسميهم "الشهداء". بقيت في داخلي مثل مدن خربة ما يزال الدخان المختلط بالغبار يتصاعد حتى عيني. بقيت صور الجثث المتكدسة فوق بعضها، جثث جنود عراقيين وإيرانيين، تمتزج دماؤهم السوداء المتعفنة تحت أشعة شمس حارقة، وبانوراما سوداء توشح جدران العراق من زاخو في أقصى شمال الوطن إلى الفاو، في أدنى جنوبه، ومن هيت، في أقصى غربه وحتى المنذرية، بوابة العراق في شرقه. بانوراما تحمل أسماء الضحايا، الشهداء، وجمل مكرورة ترثيهم. بانوراما من قطع قماش أسود، أحالته اشعة الشمس والمطر إلى الأسود المصفر.

غير هذا هناك بضعة رسائل من جنود، هي أغاني وداع حزينة ووصايا أبدية كتبوها إلى عوائلهم قبيل تنفيذهم مهمة فدائية في عمق الأراضي الإيرانية وسلموها لي فكانت أصعب وأكثر الامانات ثقلاً على كاهلي.

 

 

روداو

Top